الثلاثاء، 29 مارس 2011

مكونات القصة القصرة جدا

مكونات الإبداع في القصّة القصيرة جداً ''

القصة القصيرة جداً very short story بدعة فنية في إطار فن القصة. و أقول بدعة ، لأنّها شيء مستحدث . إذ لم يظهر في عالمنا العربي كفن و كتابة إلا في تسعينات القرن الماضي . و لكن استطاع بسرعة أن يجد له مكانا تحت الشمس، و وسط الزحام . بل استطاع أن يملك مريدين و مريدات ، و معجبين ومعجبات. و قد يكون الفن الوحيد الذي لم يجد معارضة من المحافظين ، إلا ما لا يكاد يذكر .


ربّما لأنه ولد مكتملا و إن كان البعض يحاول أن يجد لها مسوغاً للوجود في العصرالحاضر و متطلباته : من سرعة و ضيق للوقت، و كثرة الهموم اليومية التي تصرف الإنسان عن مطالعة النصوص الطويلة .... و يحاول البعض الآخر أن يبحث عن جذورها في التراث العربي سواء منه المعاصر أوالقديم . بغية إثبات شرعيتها في الوجود . كاعتبارها امتداداً طبيعياً لبعض كتابات رواد السّرد العرب و بخاصة كتاب (المستطرف في كل فن مسظرف) للأبشهي ، و بعض كتابات نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة ، و كتابات نعيمة ، و جبران خليل جبران في كتابه (المجنون) تماماً كما حدث في الشعر الحديث في الأربعينات و الخمسينات حين رُفِض من طرف شعراء الكلاسيكية . فمال الطرف المدافع لإثبات وجود جذور الشّعر الحديث في الموشحات ، و البند ، و النثرالشّعري لجبران ، و الشّعر المنثور لأمين الريحاني ، و توشيحات المهجريين والشّعرالمرسل لعبد الرحمــن شكري...


و لكن ـ عموماً ـ القصة القصيرة جداً وجدتْ لها مكاناً في الكتابة السّردية . وأصبحت تستقطب رواداً في الكتابة القصصية . و مهتمين دارسين في مجال السّرديات و التّحليل و النّقد رغم قلتهم .


و تبعاً لذلك ، ينبغي أن نتعرف أولا على هذا النوع من الفن السّردي ، من خلال خصائصه . و نتساءل عن مبدعيه و مميزاتهم .


فالقصة القصيرة جداً عمل إبداعيّ فنيّ . يعتمد دقّة اللّغة ، و حسن التّعبير الموجز ، و اختيار الّلّفظة الدّالة ، التي تتّسم بالـدّور الوظيفيّ fonctionnel و التّركيز الشّديد في المعنى . و التّكثيف اللّغوي الذي يحيل و لا يخبر . و لا يقبل الشّطط و لا الإسهاب ، و لا الاستطراد و لا التّرادف ، و لا الجمل الاعتراضية ، و لا الجمل التّفسيرية . و المضمون الذي يقبل التّأويل ، و لا يستقر على دلالة واحدة . بمعنى يسمح بتعدّد القراءات ...و وجهات النظر المختلفة ...


إذاكانت القصة القصيرة جداً بهذه المواصفات،فحتماً لن يكتبها غير متمرس خبير باللّغة . قاص بارع في البلاغة : متقن للّغـة المجازية langage figuré متنبه لكمياء الألفاظ ، و فلسفة المعنى ، و عمق الدّلالة . قاص لا تتحكم فيه حلاوة الألفاظ ؛ فيقتنصها لحلاوتها ، بل لما يمكن أن تخدم به السّياق المقتضب . قاصّ لا يغتر بالقصر المجمل لقصره . أو الإسهاب المطول لإسهابه ، و لكن يهتمّ بالمعنى على أن يقدَّم بنسق لغوي فنيّ في غاية من الاقتصاد . ليمكن القارئ الشّغوف بفن القصّ القصير، أن يقرأ داخل اللّغة intra - linguistique لأنّ القراءة السّطحية لا تجدي نفعاً إزاء هذا النّوع من القصّ .إذ لا بد من قراءة ما بين السّطور القليلة . و خلف الكلمات المعدودة . فهناك لغة التّضمين homonymique


و إذا كانت القصّة القصيرة جداً و صاحبها كما رأينا ، يبقى من الضّروري أن نقول صراحة إنّ هذا الفن ليس من السّهولــة في شيء. لكن كم هو سهل على من يستسهله ، فيكتب جملا تدخل في إطار مايعرف بالكتابة البيضاء écriture blanche التي لا تدل إلا على اللاشيئية nullité ويعتقد أنّه دخل صرح القصة القصيرة من بابها الواسع . إلا أنّه ينبغي أن نقول :إنّ رواد هذا الفن في عالمنا العربي قلة قليلة . أمّا الكثرة الكثيرة ، فهي من تكتب خارج دائرة هذا الفن . و تعتقد نفسها ـ في غياب النّقد و المتابعة ـ أنها داخل الدّائرة .


أعتقد ـ جازماً ـ أن الذي لم يزاول كتابة القصّة القصيرة والقصّة ، و الذي لم تتوفر فيه بعض من الصّفات الآنفة الذّكر . فهو كاتب يبحث له عن اسم في فن لا يعرفه. و في لغة لا يحسن سبكها ، و صياغتها، لأنّها لغة السنتمتر وأقل .و لغة التكثيف الفني . و هذا يدعونا لنوضح ذلك قليلا :






1 ـالتّكثيف: عملية ضرورية في مجال القصّة القصيرة جداً . و لا أكتم أنّني ؛ حين أقرأ نصاً : منفرجاً ،منفتحاً،بلغة إنشائية بسيطة وعادية ...ما يعرف بالإنجليزية natural langage أو حين أجد الفائض اللّغوي الذي لا يخدم النّص في شيء ما يعرف l'inguistic redundancy أتضايق وأشعر أنّني أقرأ كلاماً عادياً لا صلة له بالفن ، فبالأحرى القصّة . و هذا لا يعني أنّ التكثيف وحده يضمن نجاح القصّة ، بل هناك عناصر أخرى لا بدّ منها . و إن كان ليس من الضّروري أن تكون كلّها موجودة في النّص . بل ظروف الكتابة ، و معطيات النّص، و الحالة النّفسية للمبدع .... كلّ ذلك يساهم في إظهار عناصر، و احتجاب أخرى...






2 ـ الرّمـــز : الرّمز أداة و وسيلة و ليس غاية . و هو يوظف بعناية في كلّ عمل فني : في الشّعر، في القصة ، في الرواية، في الرسم التشكيلي ، في النّحث ،في المعمار، في الرّقص .... أستطيع أن أعمّم و أقول: الرّمز يسكن الحياة كلّ الحياة .


و الرّمز كوسيلة حين يوظف فنياً ، يغني النّص ، و يحمله على الاختزال . و يلعب دوراً جليلا في منحه بعداً ، ما كان ليتأتى بلغة واصفة مباشرة ... و لكن له ضريبته الباهظة ،إذ يجعل النّص للخاصة بل أحياناً لخاصّة الخاصّة ، فماذا سيفهم القارئ العادي البسيط أو المحدود الثقافة إذا وجد في قصيدة رموزاً كالتالي : تموز tammuz أدونيسAdonis عشتار Ishtar الفنيق phoenix سيزيف Sisyphus إيزريس Isis أوزريس Osiris....و القائمة طويلة من الرموز الإغريقية و الفرعونية و الإنسانيــــــــة عموما ...لاشك أنّ هذه لا تقول شيئا حتى ـ ربّما لبعض المثقفين ـ و من تمَّ كانت الرمزية كتابة نخبوية ، أو تجعل النّص نخبوياً .


و لتبسيط الرمز و جعله في المتناول . ترك بعض الأدباء الرموز العالمية ، و لجؤوا إلى ابتداع رموز لغوية اجتماعية معروفة أو قد تعرف من سياق النّص ، سواء كان شعـــــراً أو قصّة .و لكن الرّمز الذي يوظف توظيفاً فنياً : يرفع قيمة النّص إبداعياً ، و يثريه دلالياً ، و يحمل القارئ بعيداً ، إلى فضاءات لا يمكن أن تحددها الكلمات العادية ، أو التراكيب الواصفة البسيطة ...






3 ـ الحجـــم : أمّا من حيث الحجم ، فهناك خلاف كبير. فحين أقرأ ما كتبته نتالي ساروت من قصص قصيرة جداً في كتاب بعنوان (انفعالات)،أجد القصة عندها طويلة نسبياً دون أن أقول : و رقة . و لكن حين أقرأ للقاص و الروائي الكبير ارنست همنغواي ،أجده قد كتب يوما ً قصة قصيرة جداً في ست كلمات و هي : (للبيع، حذاء أطفال، غير مستهلك )، وأن بعض المواقع الأدبية أعلنت عن مسابقات للقصّة القصيرة جداً بشرط أن تكون كلماتها محصورة بين كلمتين إلى ثلاثمائة كلمة . بل و أجد رأياً آخر يحصر القصّة القصيرة جداً في 60 كلمة و ينصح الكاتبَ لكي يحافظ على المجموع (60) كلمة أو أقل ينبغي أن يضع (60) سطراً مرقماً على أساس أن يتضمن ـ أثناء الكتابة ـ كلّ سطر كلمة . و في هذا خلاف ..... فالقصة القصيرة جداً إن جاءت في نصف صفحة.أو في فقرتين من ثلاث مائة كلمة، أوأقل كمائة كلمة ، أو ستين و بدون شطط و لا زيادة غير مرغوب فيها؛ فهذا جميل . و عموماً التّكثيف و الإيجاز و اللّغة الشّعرية ... كلّ ذلك لا يسمح بالاستطراد و الشّطط والإطناب . و من تمّ أجد مبدع القصّة القصيرة جداً؛ من المبدعين البلغاء . فهو إن لم يكن بليغاً و متمكناً من ضروب البلاغة، لا يمكنه أن يأتي بالحدث في إيجاز بليغ فنيّ ، و إن حاول ذلك مــراراً.






4 ـ الراوي العليم أوالرؤية من خلف . فهي من أخطر الرؤى الممكنة . كيف ذلك ؟ فالراوي الذي يعرف كلّ شيء؛ يبَسط النّسيج الفنيّ ، و يحلّ عقد البناء القصصيّ، و يكشف كلّ الأوراق ... ما يجعل النّص؛ نصاً عادياً خال من المتعة و التّشويق ...ما لم يتحكم الكاتب في السّارد بذكاء و تبصّر، فينطقه حيث ينبغي له النّطق . و يسكته حيث ينبغي السّكوت ، ويجعله يتجاهل و يتغاضى ما ينبغي له فعل ذلك ...و لكن مع الأسف هذا لا يحدث دائماً . فسرعان ما ينساق الكاتب نفسه خلف سارده المفترض، فيرخي الحبل على الغارب دون شعور. فتكون النتيجة نصاً مباشراَ و كأنّه تقرير مفتش شرطة ، أو ضابطة قضائية ، أو كاتب ضبط في محكمة ...






5 ـ القفلــة : القفلة هي جملة الختم شكلا ، ولكنها مناط الّسّرد ، فمنها انطلاق التّأويل ، و إليها يستند الـتّعليل ، و عليها يندرج التّحليل ...


فهي ذات أهمية قصوى. حتّى أنّ البعض لا يرى قصّة قصيرة جداً بدون قفلة . و إن كان لي رأي مخالف . فالقفلة ـ على ما هي عليه من أهمية ـ فقد يحدث ألا يأتي بها القاصّ شريطة أن تكون القصـة على درجة عالية من التّكثيف ، أو الرّمز ، أوالحذف والإضمار .. فنسقية النّص، و سياقهénonciation وتصويره البلاغي ....كلّ ذلك يجعل القفلــة استثنائية ، لأنّ ما سبقها ـ إن وجد ـ سيغطى على دلالتها و تأثيــرها .


و من خصائصها الملازمـــة التّالي :


1 ـ قفلة مفاجئة . غير متوقعة من قبل المتلقي . و لكن لها صلة بالموضوع .


2 ـ تحدث توثراً و انفعالا ، لنسقها الدّلالي و الّصدامي .


3 ـ تبعث علىالتّأمل و التّساؤل .


4 ـ تفتح آفاق التّأويل و التّحرّر من تخوم النّص .


5 ـتاتي عفوية مع سياق الكتابة .


6 ـ لا تُصنّع ،و لا تعدّ ، سواء من قبل أو منبعـد ، ففي ذلك تكلف .


7 ـ تضفي جمالية دلالية على النّص ، لما تكتنزه منمعنى.


8 ـ تأتي على نسق بلاغي forme rhétorique يضفي مسحة فنية على النص .


9 ـتتسم بطابعها الوظيفي fonctionnel في النّص.


10 ـ تتسم بالميزة الجوهرانية essencialiste في النّص.






أمام هذه الخصائص كلّها ، متجمّعة أو في معظمها ، يتبن مقدار الأهمية القصوى التي تحتلّها القفلـة . بل كثير من القصص القصيرة جداً تفقد دلالتها و متعتها و قيمتهـا فقط ، لأنّ القفلة اصطناعية artificiel خالية من العفوية الفنّية .






6 ـ التيمة أو الموضوع : القصّة القصيرة جدا تتسع لكلّ الأفكار الممكنة . لكن ما ينعكس على مرآة النقد أن بعض كتاب القصة القصيرة قد يكررون أنفسهم ـ لا شعوريا ـ و لذلك أسباب ذاتية و نفسية .


فأمّا الذّاتية: فتعود للقاص نفسه . فقد يكتب مجموعة من القصص في فترة زمنية- متقاربة . و ذلك استجابة لداعي الإبداع . و تدفق الإلهام ، أو لدافع تجاري يتعلق بالنّشر ... فلا يمكن للقاص غير المتمرس ، إحداث تميز كبير بين نسيج العمل الأول وما يليه . بل الأدهى إن أعجب بعمله الأول ، أو كان ممن يسحرهم الثناء و كلمات المجاملة الكاذبة . .. فسيتخذ من عمله نموذجاً ينسج على منواله . و مع توالي الأعمال و قلة النقد و التّوجيه . يتعمّق الخطأ و يتجذّر ،. فيصبح الإبداع في تعدد النّمط الواحد ، لا في ابتكار الجديد .. وهذا يوجد في السينما مثلا . إذ يحدث لبعض المخرجين أن تلاقي أفلامهم استحساناً فيتبعون نفس النّهج في الإخراج . إلى أن ينتشلهم النقد و التقويم من دائرة النّمطية والتّكرار ....


أمّا ما هو نفسيّ : فهو الأصعب . لأنّ القاص يجد لذّة لا تعادلها لذّة في اجترار تيماتthèmes تسكنه و تسيطر على إحساسه وقدرة تمييزه فلا يكتب إلاوفق السمة المميزة trait distinctif في لا شعوره ، فيمنعه ذلك من التفكير في التحولات transformations الممكنة .فيكون في ذلك كجمل الطاحونه المعصوب العينين يدور و يدير الطاحونة . و لربّما يعتقد أنّه قطع مسافة طويلة ، حتى إذا أميط الغطاء عن عينيه ، و جد نفسه مشدوداً إلى عمود الطاحونة و لم يبرحه قطعاً ... و هذا ما توضحه بجلاء الأسلوبية التعبيرية stylistique de l'expression


و للتّخلص من النّمطية و التّكرار . يصبح من الضّروري على القاصّ الإكثار من مطالعة القصص،في تنوع ...مع الاهتمام بالتنظير و النّقد القصصيّ . فهناك من لا يقرأ إلا إنتاجه فقط . و هذا مؤسف جداً !! كما يجب عدم الشّعور ـ مجرد الشّعور ـ بالوصول و النّضج الفنيّ .فذاك مدعاة للتقوقع و الانكفاء حول الذّات . و على العكس من ذلك ينبغي للقاص الحلم دائماً بالقصّة التي لم يكتبها بعد. و أن يكتب القصة فلا يعقبها بأخرى ، إلا بعد فترة يخصصها للمطالعة فحسب . و لا يغتر بالثناء المجاني الخادع . الذي لا يستند على برهان أو دليل. بل عليه أن يبتهج لأيّ عملية نقدية تقويمية ، تكشف بعض عيوب نصّه . و ليكن ناقد أعماله . فيكفي أن يترك العمل فترة ثمّ يعود إليه، متفحصاً متمعناً . فإنّه ولاشك سيجد ما يرضيه و ما لا يرضيه . و عموماً قد يكرر القاص نفسه . سواء في موضوعاته ، أو طرائق الكتابة ، و نمطية الأسلوب . و لن يخرج عن هذا المسار . إلا من كان يؤمن بالتجديد أسلوباً و نهجاً .


بين أيدينا الآن مجموعة من إنتاجات مختلفة في القصة القصيرة جداً .سواء التي صدرت في مجموعات ، أو التي نثرت في مواقع إلكترونية ، و منتيات ثقافية و أدبية ... كلّها تشهد أن هذا الجنس الأدبي الجميل ولد مكتملا ، نتيجة تجربة القصة القصيرة ، و القصة عموما .كما هناك ما أصبح يعرف بالومضة. و الومضة أصغر وحدة قصصية سردية قد لا تتعدى السطرين أو ثلاثة تتميز عن غيرها ، أنّ الحدث يأتي كاملا لا يقبل تطوراً . و تعتمد الدّهشة ، و المفاجأة ، و الدعوة إلى التّأمل فقط .


و في هذه المضمومة الكبيرة ، و الباقة الممتعة من الق ق ج... اختلاف في الرؤية و الكتابة ، و الأسلوب و الديباجة .... و لكنها تعطي صورة بانورامية عن هذه الكتابة الفنية الرائعة ، في عالمنا العربي . و إن كانت كلها في حاجة إلى متابعة نقدية منهجية ...تحدد خصائصها ، و تبرز محاسنها ، و تقف على نقائصها ...


د مسلك ميمون

الخميس، 24 مارس 2011

شاهد عيان4


4-بدأت منذ سنوات الوعي الأولى أعرف أن أبي كان زميلا لجمال عبد الناصر في الكلية الحربية وتخرج فيها

عام 1938م ،وأنه رفض أن يشارك في الثورة ،رغم ثورته على كل الأخطاء والخطايا قبل الثورة ،وخلافه

مع واحد من أقارب زعيم الوفد النحاس ،واستقالته من الجيش 1951م،رفض أبي المشاركة لأن ناصر أصر

على تفضيل أهل الثقة رغم خطورة ذلك على مستقبل الثورة ،وعندما سالته لماذا لم يحبسك ويعذبك ناصر

عندما نجحت الثورة ،"قال لي :لأنني لم أكن أنافسه ولست خطرا عليه ،وكل ما قلته له عن الثورجية وعلامات

الاستفهام عليهم كانت صحيحة "،وكان لقاء أبي بناصر 1963م في حفل اليوبيل الفضي لتخرج دفعة 1938م

لقاء مملوءا بالأحداث ،فقد كانت ذاكرة ناصر قوية ،سأل أبي :أتذكر أنك حبستني يومين عندما كنا في الكلية

الحربية ،راهن وقتها البعض أن أبي لن يعود لبيته ..وخسروا الرهان ..بل على العكس أمر ناصر بأن يعود أبي

للعمل الحكومي مستشارا لتوطين البدو ..وقد سجل ذلك كتاب ((هو والذين كانوا معه )) ،ومن التعليقات القيمة

لأبي عندما عاد للعمل الحكومي :"لقد وجدت الناس كما هم 1965بكل عيوبهم التي لمستها قبل 1951م وكان

ذلك من أسباب عدم رضاه ،وكثرة تنقلاته ،والحقيقة أنه رغم الهزيمة في 1967م فقد ظل أبي متمسكا بأن خطأ

ناصر الوحيد أنه :"فضل أهل الثقة على أهل الخبرة "وكم كانت المعاناة والجميع يستعد لاستعادة الأرض وكثير

من الشعارات يرفع اهمها ((لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ))ومع ثورة الشباب الجامعي على ناصر1968م

كان قراره الشجاع بتجنيد كل خريجي الجامعات ،فكان التحديث وسرعة استيعاب التقنيات الحديثة للأسلحة وكانت

من أهم مقدمات النصر رغم أن البعض اعتبرها عقاب من ناصر للشباب ،ورغم حداثة سني وقتها إلا أن التهويل

من قوة اليهود وسلاحهم وقوة خط دفاعهم في سيناء بامتداد القناة ((خط بارليف)) هذا التهويل أثر فينا كثيرا ولم

نكن ندري كيف ستنتهي هذه الغمة ، وفجأة مات ناصر دون سابق إنذار فلم يمرض أو يقتل علانية ،وإنما سرت

إشاعات قوية أنه اغتيل بالسم ،المهم كنا في القاهرة عندما ذاع خبر الوفاة وأخذت الملايين تتجمع وتخرج في

كل مكان لتوديعه ،وقام المسئولين بقطع الكباري لأن القاهرة لم تعد تتحمل مزيدا من المشيعين ،كانت جنازة

مهيبة ، ومن أعجب الهتافات التي سمعتها ،وتعجبت من ترديدها ،كانت الجماهير تهتف ((يا جمال يا عود الفل

من بعدك حنشوف الذل ))كيف استشرفت هذه الجماهير المستقبل ،كيف عرفت أنها ستتجرع الذل من بعده ،كيف

عرفت أننا سنقبل ونحن منتصرون ما رفضناه ونحن منهزمون ، كيف عرفت أن كل الأبطال سيطويهم النسيان

وأن دماء الشهداء ستتحول إلى أرصدة في حسابات المغامرين ،كيف عرفت أن كل شيء سيباع ، كيف عرفت

أن مصر سيتضاءل دورها ،وأن المصري ستساء معاملته في بلده وخارج بلده ، كيف عرف أن الرأس التي

ارتفعت في 1952م سيأتي من يتآمر عل خفضها بنشر الأمراض الجسمية :السرطان والفشل الكلوي ،ونشر

الأمراض النفسية بتسويد المستقبل في وجوه الجميع ، كيف عرفت أن الأحتلال سيترسخ أكثر ،وأن عاصمتان

عربيتان ستسقطان في يد الاستعمار من جديد،كيف ..كيف ..كيف...((هل هناك ذل أكثر من ذلك )) مات ناصر

ومازالت قناة السويس تساهم في بناء مصر المبتلاة ..ومازال السد العالي يحمي مصر من التصحر ..وما زال

أبناء الفلاحين والعمال الذين كانوا مستعبدين قبل ناصر يترحمون عليه ،وكما قال الزعيم الأقريقي الكبير:

نيلسون مانديلا وهو يمنح اسم عبد الناصر أعلى وسام في جنوب أفريقيا قال :"إن العالم قبل عبد الناصر ..

ليس كالعالم بعد عبد الناصر " وكما قال :نيكسون وهو يوقف المناورات الأمريكية في البحر المتوسط يوم

وفاة عبد الناصر قال (إننا نوقف المناورات لوفاة زعيم عربي كبير نحترمه رغم أننا كنا نختلف معه))

والحلقة القادمة قدوم السادات وما يسمى ((ثورة التصحيح

الاثنين، 21 مارس 2011

إلى أمي


أمي الحبيبة ..أحبك ....هديتي لك ....أعرف أنك تحسين بي

وأعرف كم أنا شقيّ دونك... وكم أنا سعيد وأنا بين يدي طيفك

سنوات مرت والشوق إلى حنانك يزداد ..الشوق إلى أن أبحر في

عينيك طفلا مدللا لا ينقطع ...أمي أحبك سامحيني إن قصرت في الدعاء

أن أخذتني الحياة منك لساعات ...صدقيني لن تستطيع قوة أن تبعدك

عني أن تأخذك مني ..أنت تسكنينني ..تقيمين بقلبي ..تملكين على

جوانب روحي لم تستطع إمراة أن تأخذ مكانتك ...أمي أحبك أدعو ربي

أن يتجاوز عن خطاياي ويجمعني بك في جناته التي فيها تقيمين ..

فهل تقبلين ...ابنك المحب..أمي

الخميس، 10 مارس 2011

شاهد على الاحداث 3

-كانت الحادثة أوائل عام 1969م ثلاث طائرات يهودية قامت بقصف مجموعة من المنازل

بإحدى ضواحي مدينة الإسماعيلية تخص عمدة عرب المعازة ،قامت باثني عشرة طلعة سوت

المنازل بالأرض ، لم يعلن عن الغارة وأسبابها ، وقد عرفت تفاصيلها من والدي حيث رد على

كل تساؤلاتي عندما زرنا المصابين في مستشفى (هيليوبوليس)بالقاهرة حيث كانوا يعالجون فيها

بأمر خاص من جمال عبد الناصر ،وكان بين من استشهدوا في هذه الغارة واحد من أصدقائي وكانت

رحمة الله كبيرة فرغم عنف الغارة لم يتوف إلا اثنان ،لقد كانت الغارة انتقاما من عرب المعازة لأنهم

ساعدوا الجيش المصري في القبض على مجموعة من أخطر الجواسيس الذين كانوا يقومون بقطع

أسلاك الاتصال بين الوحدات ،وكانوا يسرقون عبوات الذخيرة الضخمة ،ويفرغونها ويبيعون النحاس

ليتحول إلى أوان ،وقد لمست بنفسي ذكاء وفراسة العرب وقدرتهم على اقتفاء الأثر ،وقد استمرت

مساعدتهم للجيش المصري حتى تحقيق الانتصار في 1973م ،لقد بالغ الاحتلال العثماني لمصر في

الإساءة لكثير من القبائل العربية ،وحاول الاحتلال الانجليزي أن يحتويهم وكثيرا ما تمردوا عليه ،وبعد

انتصار 1956م لم يقدم المسئولون أي حوافز للقبائل لتستقر وتتطور وتندمج في المجتمع بل على العكس

أسي ء لهم بقصد أحيانا ودون قصد كثيرا ،فقالوا لمن ظلموهم إذا جاء اليهود المرة القادمة فلن نساعدكم )

وفعلا لم يساعد العرب الجيش المصري فكان ذلك من الأسباب التي أدت للهزيمة النكراء في 1967م

استوعبنا الدرس الصعب ،واستعنا بهم وأحسنا معاملتهم ،فكانوا من أبطال حرب الاستنزاف وساعدوا في الصمود

بعد حدوث الثغرة 1973م،لقد رفضت قبائل سيناء إعلان الانفصال عن مصر رغم الإغراءات اليهودية

لهم أثناء الاحتلال ،وبعد التحرر عدنا عن عمد أو جهل لسوء المعاملة ،ولم نقم على مدى 38 سنة بأية

تنمية حقيقية في سيناء ،ولم ينل أبناء سيناء أي تطوير حقيقي ،نال القادمون من الوادي أغلب الأراضي

وتملك محدثون النعمة أغلب الشواطيء ،ونالوا أغلب الوظائف ،وترك العرب للفقر والجهل ،ولعصابات

التهريب ،ولم ينفذ المسئولون أية خطة من خطط التوطين ،فلم يتملك العرب الأرض التي بها مغروساتهم

لعشرات السنين ،وحتى الآن توجد سيارات لم توفق أوضاعها منذ 38سنة ،وهناك من يحمل وسام نجمة

سيناء ويعاني من الفقر والبطالة والتجاهل ربما الاعتقال ، ولا أبالغ عندما أنحاز لنظرية المؤامرة (فرغم

وجود مستندات معنا تخص مزرعتنا في الجبيل بالطور فحتى تاريخه لم تعوضنا الحكومة عن سنوات

الاحتلال وعن هدم اليهود لمنزلنا هناك،ولم توافق أن نتملك تلك المساحة المحدودة )رغم أنها ملكت

ملايين الأمتار لكل من هب ودب ،فمابالنا بأبناء القبائل .إن سيناء والقبائل العربية في كل مكان بمصر هم درع

لمصر وزاد لها فمتى نعي ذلك ، ومتى نخلص في التخطيط للمستقبل ، ومتى نتقي فتنة لا تصيب الذين

يظلمون فقط ،ما أسوأ أن يشعر الإنسان بالظلم ،وما أسوأ أن نرى الظلم ولا نحرك ساكنا......

الحادثة الرابعة حادثة فارقة في تاريخ مصر عاصرتها واعيا ...موت جمال عبد الناصر...

(يتبع إن شاء الله)

الثلاثاء، 8 مارس 2011

عِبــــْــرة

وجوه طغت ....حبيبتي بكت

أغرقهم دمعها ...

من جار ...من سكت

الأربعاء، 2 مارس 2011

شاهد على الأحداث2

-أتذكر أرتال الدبابات والجنود التي تمر أمام منزلنا على طريق السويس الصحراوي متجهة إلى سيناء

ما زلت أذكر بعد عشرات السنين بعض ملامح الجنود الذين ذهبوا ولم يعد أغلبهم ،كانت الهزيمة

التي سموها نكسة ،وبدأت عملية ضخمة لتهجير أهل مدن القناة ،وكان التهجير إجباريا لأن اليهود

بدأوا يضربون المدنيين بالغازات القاتلة ،تفرق المهجرون في أنحاء مصر حسب أعمالهم الجديدة

وحسب إمكاناتهم ..وكم كانت سنوات ست عصيبة ،لم أكن مستوعبا وقتها ما يحدث ومعنى النكسة

ومن أهم الحوادث قبل الهجرة ،أننا رأينا معركة جوية سقطت أثرها إحدى الطائرات تخيلنا أنها قريبة

منا وجرينا كبارا وصغارا نحو مكان سقوطها ،كان سقوطها في صحراء المنايف وصلنا هناك وجدناها

طائرة مصرية صارت قطعا صغيرة ،وقد حرص المجرمون أن يضربوا الطيار حتى لا يستطيع أن يقفز

وقد بذل رحمه الله جهدا في البعد عن المدينة حتى لا تزيد الإصابات ،أتذكر أننا جمعنا أجزاء جسد الطيار

وكان أكبر جزء بحجم الكف ..وأحسب أن تلك الحادثة وإن مرت بسرعة تركت أثرا بالغا فما أصعب لقاء

الموت والتأكد من وحشية العدو وتفاهة الحياة ..عدنا ليلا ومعنا أجزاء من الطائرة وتقبلنا عقاب أهلنا

وتحملناه ...كان علينا أن ننتقل إلى الواحات البحرية حيث العمل الجديد لوالدي ..وكانت الحادثة الثانية

التي تبين كيف تخط أصابع القدر حياتنا كما تريد وليس كما نريد ...كان المفوض أن نستقل الطائرة من

القاهرة إلى الواحات البحرية ...وقبل السفر بيوم ألغي الحجز ..وسط غضب منا لأن السفر بالبر قطعة

من العذاب ..الطريق غير ممهد ..ولا توجد وسيلة للسفر سوى عربات النقل الخاصة بشركة النيل وعليها

أن تعبر بحر الرمال بوسائل بدائية ولمدة تزيد عن 12 ساعة ...المهم أن الطائرة التي كان مفروض أن

تقلنا تاهت ولم تصل إلى الواحات ..واستمر البحث عنها عدة أيام ..ولأن الاستهتار بأرواح الناس إجرام

مزمن عندنا توقف البحث دون تنسيق مع الدول المجاورة ودون إصرار منا على العثور عليها ..وبعد أكثر

من سبع سنوات وبالصدفة عندما ذهب الجيش المصري وبلا سبب واضح إلى المنطقة الغربية ..بالصدفة

والاستطلاع يؤمن الوحدات ،وجد الطائرة هبطت إضطراريا في إحدى المنخفضات الصحراوية داخل ليبيا

وطبعا مات كل الركاب قي مأساة من مآسي الأستهتار ،وقد اثر في ذلك كثيرا وفي نظرتي للحياة وفلسفتها ،

كان والدي رحمه الله لايستقر في مكان أكثر من سنة حيث لا يستطيع أن يسكت على خطأ ..كنت أراه يحضر

الكتب الخاصة بكل مهمة يكلف بها ..يقرأ يلخص ..وكانت الكتب أكثر ما يوجد في بيتنا وأكثر ما يرهقنا في

السفر ..عدنا من الواحات بعد رؤيتي لمكان رائع كان مايزال بكرا في كل شيء ..عدنا للقاهرة ...وفي هذا

العام وقبل وقف إطلاق النار حدثت حادثة بينت الفرق الكبير بين القبائل العربية في خط القنال وسيناء وكيف

كانت لدى بعض القبائل القدرة على تحريك الطيران اليهودي ،وكيف ضحت أغلب القبائل وساندت الجيش في

حرب الاستنزاف ..وهو موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله

شاهد على الأحداث

مقدمة:
ما حدث ويحدث في مصر وفي العالم من حولنا يحتاج لوقفة مع النفس ،ويحتاج لكم كبير من الصدق

يحتاج لشهادة حق تسجل كتأريخ لمشاهدات على أرض الواقع ،وتمد الباحثين عن الحقائق بمعلومات

صادقة في زمن صار من كثرة المعلومات واختلاط الحقائق بالأكاذيب والواقع بالخيال صار يقابل برفض

لكل المعلومات أو بتصديق لما يوافق الأهواء أو بتعمد إحداث فوضى وإسقاط القواعد والأسس الصحيحة

لصالح أغراض وأهداف لا تمت للعدالة بصلة تغلفها المطامع والأطماع ،ولذلك أخط هذه الشهادة ، ومن

خلال وقائع حياتية وباسلوب يقوم على الأسس العلمية في التدوين للوقائع القائمة على المشاهدة والمعاصرة

وإثبات الحقائق بالمستندات كلما أمكن .

أولا :الشاهد مصري في العقد الخامس يحمل مؤهلا فوق الجامعي يعمل في مؤسسة تعليمية خاصة

ثانيا :زمن المشاهدة ممتد مابين1964م حتى تاريخه

ثالثا :موضوع الشهادة :الأحداث الكبرى التي وقعت في تلك الفترة

رابعا :الأماكن التي رصدت منها الوقائع (محافظات مصر :السويس -سيناء الجنوبية -الاسماعيلية

القاهرة -الاسكندرية -مرسى مطروح -السعودية :جدة -مكة -المدينة المنورة)

ملاحظة أولى:الشاهد حفيد لواحد من رؤساء نيابة النقض ،وحفيد لواحد من القضاة الشرعيين الأزهريين

وابن لواحد من الضباط الذين تخرجوا في الكلية الحربية 1938م زامل فيها جمال عبد الناصر والسادات

عارض فساد الأحزاب ،واختلف مع ثورة 1952م ولم يعاديها ،استقال من الجيش قبل الثورة ،وعمل

مستشارا لتوطين البدو .

ملاحظة ثانية :الشاهد وأباه وجده من غير المنتمين لأي حزب قبل ثورة 1952أو بعد الثورة ولا لأي

جماعة حتى الآن

ملاحظة ثالثة:خال الشاهد واحد من أعضاء مجلس الشعب عن السويس في الستينيات وأوائل السبعينيات،

وإعلامي رأس الصفحة الدينية في صحيفة الأخبار وله عدة كتب نشرتها دار الجيل-بيروت
.................................................. .................................................. ...................................
العرض:

1-أقدم ما أتذكره :منزلنا القديم في ضواحي السويس ،وكيف غادرناه إلى جنوب سيناء عام 1964م،وهنا

كانت الحادثة الأولى التى لم أفهمها إلا عندما كبرت وملخصها :

رفض ضباط السواحل عبور اثنين من الحمير كانا مع المواشي التي ستنتقل من السويس إلى المرزعة

الجديدة لنا في قرية الجبيل في طور سيناء ، وقد صمم أبي على أن يؤجل ذهابنا ليعرف سبب ذلك الرفض

ولأنه ضابط سابق استطاع أن يكشف سر المنع ،وجده قانون منذ أيام الاحتلال النجليزي لمصر يمنع مرور

الفصيلة الخيلية إلى سيناء خوفا من استخدام العرب لها في الهجوم على الوادي ،ومن العجيب أن يذهب

الاحتلال وتبقى قوانينه إلى الآن !!!

طبعا أخذنا تصريحا بمرور الحمير وألغي هذا القانون المعيب .

وهناك لمسنا طيبة وحسن معاملة أهل تلك القرية التي تسمى الجبيل ،ورغم بساطتهم ورقة

حالهم فهم في غاية الكرم والأمانة وحسن الخلق ولم اقابل حتى الآن أفضل خلقيا من أهل الجبيل .

بقينا في الطور عامين ،ولظروف إلتحاق أبي بهيئة تعمير الصحاري غادرناها إلى الإسماعيلية 1966م

،ولأن أبي يحب أن يقيم في مكان هاديء ،أخذ لنا منزلا بحديقة بسيطة خارج المدينة .

وفي الإسماعيلية شاهدت بداية حشد القوات في سيناء ،ثم تلقينا نبأ الهزيمة ثم كان التهجير الإجباري

لنا من مدينة الإسماعيلية وهو موضوع الحلقة الثانية