الخميس، 25 أغسطس 2011

آخر تحليق


بذل عاصم جهدا خرافيا ليحضر محاكمة الطيار،لا يعرف سر كراهيتة له،

صراع مازال يحتدم داخله،جزء فيه يتضاءل يتمنى أن ينجو،
يتذكر عاصم

ضياع أرض جده ،وتشرد أهله ،اثنان من أعمامه ماتوا في النكسة،

أخاه الأكبر مات في العبور ،باعوا دمه ،اعطوا أهله نجمةمعاشها عشرون

جنيها ،فرك عينيه لم يكن يصدق أنه أخيرا خلف القضبان،فوجيء بأنه دخل

محمولا على سرير ،لاتبدو إلا رأسه ،شعره مصبوغ وجه لا يعكس أية مشاعر
،وعيناه تومضان ،جلس عاصم في مكان يتيح له رؤيته رغم محاولة إخفائه
عن الكاميرات ،سبحان المعز المذل ،اصابته اجراءات المحاكمة بالملل ،


ينادون على كل شخص باسمه ،تتلو النيابة التهم ،يسأل القاضي المتهم عما
إن كان مذنبا أم لا ،يرد المتهمون دائما بإنكار كل التهم ،لاحظ كثرة طلبات المحامين ،من حضر منهم عن المتهمين أغلبهم من مشاهير المحامين ،ومن حضر عن الضحايا مغمورون ،المتهمون دفعوا ملايينا
،أنى للضحايا بها !؟

أسند عاصم رأسه بكفيه ،طال انتظاره لنداء القاضي على الطيار ،لا يدري كم

من الوقت مر ،سمع القاضي ينادي اسم الطيار رباعيا ،يسمعه لأول مرة ،

يرد الطيار بقوة :أفندم موجود يا أفندم ،تتلو النيابة التهم ،لم تكن مفاجأة

لعاصم ،المفاجأة أن الطيار قال :نعم أنا مذنب ...!!

،أنا مسئول عن كل ما حدث ...!!

،أنا كنت القائد أتحمل كل المسئولية...!!
،فوجيء الجميع بذلك ،فظلوا للحظات كأن على رءوسهم الطير

،ارتفعت ضوضاء شديدة لم يتبن عاصم مضمونهالكنها قادمة من القفص

الذي تكالب كل من فيه على السرير المسجى عليه الطيار ،

ومن ناحية محامي المتهمين....

صاح القاضي رئيس الجلسة هدوء ،ولما لم يستجب الجميع ....

صاح مرة أخرى من لا يلتزم الهدوء سيطرد خارج القاعة ،

طلب رئيس الجلسة من الحرس أن يحملوا سرير المتهم الأول ويحضروه

إلى المنصة الرئيسة ، نفذ الحرس الأمر...
أعاد القاضي السؤال ،وأعاد الطيار الإجابة نفسها ،جلس الطيار نصف جلسة
على سريرة ،وأخذ يحكي كيف ساهم في تدمير كل شيء ....

،صاح نجله الأكبر لا تصدقوه كبر وشاخ وخرف .....

، أمر القاضي بإخراجه من القاعة....واصل الطيار:عندما كنت نائبا اشتركت

في قتل مجموعة من كبار القادة المعترضين وضعناهم جثثا في طائرة وادعينا

أنها سقطت في البحر .....!!

،هنا صاح محاميه أنت غير متهم بذلك لماذا تعترف بتهمة لم يتهمك أحد بها ،

أنذر القاض المحامي بالحبس لو تكلم مرة أخرى...
وقال للطيار: خذ راحتك في الكلام ستعتبرك المحكمة شاهدا ملكا ولن تعاقبك إذا اعترفت بكل شيء، ومكنت المحكمة من محاسبة
كل المتورطين معك وزودتها بالأدلة الدامغة....
طر أيهاالطيار مرة أخرى وانصر العدالة...واصل الطيار نفذنا كل ما أضاع النصر ،قبلنا بأن تكون أرضنا العائدة بعدالنصرمنقوصة
السيادة،قبلنا التحكم فيها وتحديد عديد قواتنا بها ... والأسوأ
من ذلك أعطينا الأعداء صلاحية مراقبة 100كيلو داخل البلاد !!
كثيرون لا يعرفون ذلك ،نقلنا أغلب القوات إلى الصحراءبعيدا ،

عن المواجهة ..!!حاولنا هدم سد المياه لكن موجة الجفاف القاتلة
وحماية السد للناس أعاقتنا ،أدخلنا السموم للبلاد عن طريق المبيدات
والمقويات الزراعية ،والنفايات ،والاخطر أننا وضعناها في أطعمة الأطفال ،
قمنا بقتل من أعاق الخصخصة وبيع كل ما يملكه الشعب من شركات ناجحة ،وتم بيع القطاع العام وتشريدالعمال ،قمنا بإالغاء القوى العاملة
التي كانت تضمن لكل من يحصل على شهادة متوسطة أو جامعية أن
توفر له الحكومة وظيفة،ولم نقم بعمل أي بديل كالدول المحترمة فشردنا

الخرجين ،
وانتشرت مقاهي العاطلين الذين صاروا بالملايين ،وكم كنا

نسعد عندما
نرى خريجي الجامعة المجانية يعملون كعمال أو أفراد أمن

،قمنا بالإلتفاف
على قوانين الإصلاح الزراعي وتملك رجال أعمالنا آلاف

الأفدنة بالمخالفة للقانون
،وأخذنا نشرد كل ما نستطيع من الفلاحين ،

وكنا على وشك طرد
كل المستأجرين للمساكن القديمة منها لكننا لم نستطع

،والتحايل
لتنفيذ ذلك
مستمر ....

،سمحنا بقيام الطائرات المتحالفة بضرب بلد شقيق بأكثر من مائة
ألف

طلعة انطلقت من قواعد أجرناها لهم عندنا شاركنا في قتل وتشريد الملايين

،بعنا مصانع الأسمنت فشارك في بناء الجدار العازل الذي صدر حكم من

محكمة
العدل الدولية بعد مشروعيته ذلك باتفاق رجال الإعمال عندنا الذين

اشتروا
مصانع الأسمنت –رغم اعتراض الجيش على ذلك وبوساطة
بعض من
أصحاب الأرض الخونة ومع الأعداء..،أعقنا بناء 4000قرية

في تحمي درعنا
الشرقي ،وتم حظر تملك أهله لأراضيهم المتوارثة

،وبعنا ملايين
الأمتارللموالين
لنا ،أعقنا أي نهضة علمية ورفضنا

قيام صاحب نوبل بمشروعه
،أعقنا الخروج من الوادي الضيق عن طريق

مشاريع عملاقة تستوعب الملايين
مثل مشروع ممر التنمية الذي تمت

إعاقته من عشرات السنين...
،وافقنا على اعتقال عشرات الآلاف بقانون

للأحكام العرفية أسميناه قانون
الطواريء استمر لقهر الناس عشرات

السنين وتسترنا على موت المئات
،وتعذيب الآلاف من المعتقلين ..

،ورفضنا آلاف من أحكام البراءة
لهم أصدرها
القضاء..

،شاركنا في تزويركل الانتخابات التي تمت،تسترنا على القتلة

والمزورين
،وضربنا عرض الحائط بالقوانين... ،

نحن مسئولون قتل كل
آمال الناس
التي تتعلق بالمستقبل ...

، نحن مسئولون عن قتل المتظاهرين ،ولقد أمرت
الشرطة كرئيس

لها بأن تفض المظاهرات بكل الوسائل فحاولت وفشلت
،فأمرت

الجيش فلم يحاول وتمرد عليّ،فاقلت قائده فلم ينفذ
أمري ...،

وعندها اكتشفت أنني لم أعد قادرا على التحليق ،وأردت أن يكون

اعترافي هذا
:آخر تحليق لي..

فسأله القاضي :لماذا فعلت كل هذا ؟

قال:إنه ثمن الاستمتاع بالكرسي وبباقي المتع ...
،لم نكن نملك القدرة أو الرغبة في الصمود أمام ضغوط أصحاب المصالح في الخارج وفي الداخل ،وأي رفض معناه فقد الكرسي

وربما القتل
....هؤلاء مجرمون لايمكن أن نصمد أمامهم ...

،لا نملك القوة ولا الإرادة على ذلك ...
أخرج الطيارفلاشة سلمها للقاضي ..ستجد فيها دلائل ما قلت
وأكثر بكثير،عاد ليستلقي على السرير ....
انتبه عاصم على صيحة الحاجب انتهت الاستراحة ,محكمة

...هزعاصم رأسه ..سمع القاضي ينادي على المتهم
الأول
،المتهم يرد بقوة ...يتلو وكيل النيابة الاتهامات ،ينكرها كلها الطيار ...

يسمع عاصم صوتا يصيح بجانبه التهم موثقة ،لاتحليق بعد اليوم ...
.

ليست هناك تعليقات: