الأحد، 10 يوليو 2016

أنا المدينة :بين عبد المحسن حليت وطارق أنور ..قصيدتان وميزان


قصيدتان وميزان
......................
القصيدة الأولى :
انا المدينة
..............
للشاعر :
عبدالمحسن حليت المحمادي الحربي
.......................................
أنا المدينـةُ من في الكــونِ يجهلُني
ومـــن تُــراهُ درى عـنّي وما شُــغـلا ؟!
تتلمـذ المـجــدُ طــفـلاً عـند مـدرسـتي
حــتى تخـــرّجَ مـنها عــالـمـاً رجُــــــــــلا
فتـحــتُ قلــبي لخــير الخـلــقِ قاطـبـةً
فلـم يُفــارقــهُ يومـاً مـنـذُ أن دخـــــلا
وصــــــرتُ ســـيـّدة الدُنـيـا بهِ شــرفاً
واسمي لكل حــــدود الأرضِ قد وصَــلا
ومسجــدي كان . . بل مــا زال أُمـنـيةً
تحــبـو إليهِ قـلــوبٌ ضــلــّتِ السُّــبـــلا
فكــلُ مـغــتــربٍ داويــتُ غـــربــتــهُ
مسـحــتُ دمــعــتــهُ . . حـوّلتها جـــــذلا
وفي هـــــواي مــلايــيــنٌ تــنـــامُ عــلى
ذِكري وتصحو على طيفي إذا ارتحلا
تنافـسـوا في غــرامي أرسـلوا كُتباً
و أنفـقـوا عـندها الرُّكبانَ والرُّسُـلا
أنا المــنــوّرةُ الــفــيـحــاء ذا نـســبي
إذا البـدورُ رأتـنـي أطــرقَــتْ خـجــــلا
..........................................
القصيدة الثانية :
قصيدة أنا المنورة
شعر طارق أنور الحريري الحسيني
أنا المدينة من في الكون يجهلني___أيُجهل النجم في الليل اذا اشتعلا
أنا المدينة من في الكون يجهلني___وقد منحت المدى مجداً وصرح علا
أنا المدينة من في الكون يجهلني___وفوق أرضي ماء الحق قد هطلا
أنا المدينة قلبي بالهدى غُسلا___وهدب عيني بنور المصطفى كُحلا
نثرت وردي على الدنيا يعطرها___وما زال بهي الطيب ما ذبلا
تظل شمسي طول الدهر مشرقةً___وكوكبي ساطع الانوار .. ما فلا
أنا الجميلة .. من في الحسن يقربني___و أشرف الخلق وسط القلب قد نزلا
له بأرضي أفناءٌ مباركةٌ___ومن زلال ينابيعي قد انتهلا
يضوع وجهي حسناًلا حدود له___وحسب وجهي أضحى للسنا حللا
أنا المنورة الفيحاء ...يعرفني___جميع من كبر التوحيد و ابتهلا
أنا المنورة الخضراء ...أرديتي___طيبٌو ثوبي من الأشذاء قد غزلا
أنا المنورة الحسناء...شرفها___بحبه خير من صلى ومن عملا
أنا المنورة الغراء...ذا أحدي___به جعلت صروحاً للنهى طللا
أنا المنورة الأرجاء ... يعصمني___حب النبي الذي بالحق قد كملا
وخيرمن سار فوق الأرض قاطبة___ومن الى سدرة العلياء قد وصلا
وكم سعدتُ به لما توجه لي___فكان حلمي طول الدهر و الأملا
اذا فرحت فإن الدهر يفرح بي___وإنحزنت فإن الدهر قد ثكلا
وبي يقوم مقام القلب من جسدي___بيت الأمين ...ألا أنعم به مثلا
فكيف يجهل صرحي وهو حقل هدى؟___وأي جفنٍ له أن يجهل المقلا
...............................................................................
أولا :القصيدتان من بحر شعري واحد هو بحر البسيط ،وقافية واحدة
هي اللام وألف الإطلاق ،لذلك كان من الواجب على الشاعر الثاني عند
نشر قصيدته أن يعلن أنها معارضة للقصيدة الأولى ،الموضوع واحد
هو المدينة المنورة ومدحها ،والوزن واحد ،والقافية واحدة ،ولم أجد
في أكثر من عشرة أماكن نشرت فيها القصيدة الثانية أي ذكر للقصيدة
الأولى ،وشاعرها ،مما يوقع الشاعر الثاني في حفرة السطو والتقميش
والاستيلاء على إبداع الغير دون وجه حق ،من حق أي شاعر أن يعارض
أي قصيدة ويكتب في الوزن نفسه والقافية نفسها ، وحتى في الموضوع نفسه
لكن الأمانة الأدبية والأصول المرعية تفرض الإشارة للقصيدة
الأولى وشاعرها في كل نشر .
....................................................................................
ثانيا :من المؤكد أن القصيدة الأولى هي الأسبق لأن شاعرها نشرها من عشرات
السنين وهو شاعر وكاتب على مشارف الستينيات ويكبر الشاعر الثاني بحوالي
20 سنة ، والشاعر الأول ((عبد المحسن حليت )) له سيرة ذاتية وكتابان وأعمال
كثيرة شهيرة ،وأبدى بعض النقاد رأيهم في شعره ،وقال البعض عنه أنه متنبي
العصر الحاضر،وله صور كثيرة .
أما ناظم القصيدة الثانية ((طارق أنور )) فلم نجد له أي سيرة ذاتية على النت
وقيل أنه في الأربعينيات ،وكل المعلومات محصورة في ارتباط اسمه بهذه
القصيدة فقط
أديروا محرك البحث على اسم الشاعرين لتحصلوا على المزيد
................................................................................
ثالثا :عندما يعارض شاعر قصيدة شاعر آخر المفترض أنه يتفوق لأنه يملك
الوقت ،ويتأمل النص ،ويحشد قدراته ليتفوق عليه ، وقد تفوق أحمد شوقي
عندما عارض البحتري وابن زيدون والبوصيري ،ولكن العكس حدث هنا
حيث لم تبلغ القصيدة الثانية الحد الأدنى من المعارضة الفنية فهي قصيدة ركيكة
لا تشبه القصيدة الأولى إلا في الشكل ،ويكفي لاثبات ركاكتها الفنية ،وضحالتها
الفكرية أن نتأمل قول ناظمها ((أنا المدينة من في الكون يجهلني
_أيُجهل النجم في الليل اذا اشتعلا)) الشطرة الأولى الرائعة مأخوذة من الشاعر
الأول بالكامل ، الشطرة الثانية التي تصور النجم وقد اشتعل صورة فجة فالنجوم
لا تشتعل ،وتشبيه طيبة الطيبة بنجم يستمد نوره من غيره تشبيه يقلل من قدر المشبه
به ،ويدل على الركاكة والضحالة وعلى مشكلة في الشاعرية ،وحرفة الشعر
..................................................................................
رابعا : "أنا المدينة من في الكون يجهلني ""أنا المنورة الفيحاء " جملتان مأخوذتان
بالنص من الشاعر الأول ، ولم توضعا بين علامتي تنصيص لبيان أنهما
مدرجتان من قصيدة أخرى ، وكثير من الشعراء يدرج بيتا أو شطرة في نصه
لكنه يشير للنص الأصلي وشاعره ،ولم أجد فيما تابعته منشورا أي إشارة
للنص الأصلي ،وهذا شيء مخل أدبيا وفنيا
............................................................................
خامسا : رغم كون القصيدة الثانية 19 بيتا والقصيدة الأولى 9 أبيات
فإن ذلك ليس في صالح القصيدة الثانية ، فقد بدأت 9 أبيات فيها بكلمة
(أنا) تكرار لا مسوغ له سوى التطويل فحسب لم يضف للمعنى شيئا
ولم يبرز أي تجربة وجدانية صادقة ، استرسال لمجرد الاسترسال
ويكفي أن نتأمل قول الشاعر الأول :
تتلمـذ المـجــدُ طــفـلاً عـند مـدرسـتـــــي
حــتى تخـــرّجَ مـنها عــالـمـاً رجُــــــــــلا
صورة رائعة للمجد الذي بقي تلميذا في طيبة
وتخرج في ربوع مدرستها رجلا ،صورة تتألق
حيوية وحركة ،ومعنى راق يليق بطيبة الطيبة
التي تعلم حتى المجد ،تتلمذ ..تخرج ..طفلا ..رجلا
هذه هي الشاعرية وجمال الصياغة وروعة المطابقة
هذا البيت دون مبالغة يساوي مئات الأبيات المنظومة بلا
شاعرية .
...............................................................
سادسا :ركاكة القصيدة الثانية ،وكثرة المواقع التي نشرتها
،ومحو مداخلة ناقدة لتشابه النصين ، جعلني أشعر أن هناك تشويشا
متعمدا على الشاعر الأول ، وانتاجه الأدبي ،وهذا شيء غير أدبي
وغير فني ،فمهما كثر الغثاء ، يبقى السمين سمينا ، الكلمة الشاعرة
تبقى لأنها شاعرة مهما كان صاحبها ،تحمل سمات الخلود في ركابها
سمو الفكرة وصدق الوجدان وجمال الصياغة وقد حازهما الشاعر
الأول ،ولم ينل منهما شيئا الشاعر الثاني ،اللهم إلا الرغبة في مدح
المدينة المنورة ،وليته مدحها بغير النظم ربما أجاد
.....................................................................
وبعد هذه رؤية للنصين فنيا وأدبيا فقط أنا لا أعرف الشاعرين لكن عايشت
النصين ،ولم أنحز إلا لما رأيته منصفا .
المستشار :صالح شرف الدين
يوليو 2016م

ليست هناك تعليقات: