الخميس، 24 مارس 2011

شاهد عيان4


4-بدأت منذ سنوات الوعي الأولى أعرف أن أبي كان زميلا لجمال عبد الناصر في الكلية الحربية وتخرج فيها

عام 1938م ،وأنه رفض أن يشارك في الثورة ،رغم ثورته على كل الأخطاء والخطايا قبل الثورة ،وخلافه

مع واحد من أقارب زعيم الوفد النحاس ،واستقالته من الجيش 1951م،رفض أبي المشاركة لأن ناصر أصر

على تفضيل أهل الثقة رغم خطورة ذلك على مستقبل الثورة ،وعندما سالته لماذا لم يحبسك ويعذبك ناصر

عندما نجحت الثورة ،"قال لي :لأنني لم أكن أنافسه ولست خطرا عليه ،وكل ما قلته له عن الثورجية وعلامات

الاستفهام عليهم كانت صحيحة "،وكان لقاء أبي بناصر 1963م في حفل اليوبيل الفضي لتخرج دفعة 1938م

لقاء مملوءا بالأحداث ،فقد كانت ذاكرة ناصر قوية ،سأل أبي :أتذكر أنك حبستني يومين عندما كنا في الكلية

الحربية ،راهن وقتها البعض أن أبي لن يعود لبيته ..وخسروا الرهان ..بل على العكس أمر ناصر بأن يعود أبي

للعمل الحكومي مستشارا لتوطين البدو ..وقد سجل ذلك كتاب ((هو والذين كانوا معه )) ،ومن التعليقات القيمة

لأبي عندما عاد للعمل الحكومي :"لقد وجدت الناس كما هم 1965بكل عيوبهم التي لمستها قبل 1951م وكان

ذلك من أسباب عدم رضاه ،وكثرة تنقلاته ،والحقيقة أنه رغم الهزيمة في 1967م فقد ظل أبي متمسكا بأن خطأ

ناصر الوحيد أنه :"فضل أهل الثقة على أهل الخبرة "وكم كانت المعاناة والجميع يستعد لاستعادة الأرض وكثير

من الشعارات يرفع اهمها ((لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ))ومع ثورة الشباب الجامعي على ناصر1968م

كان قراره الشجاع بتجنيد كل خريجي الجامعات ،فكان التحديث وسرعة استيعاب التقنيات الحديثة للأسلحة وكانت

من أهم مقدمات النصر رغم أن البعض اعتبرها عقاب من ناصر للشباب ،ورغم حداثة سني وقتها إلا أن التهويل

من قوة اليهود وسلاحهم وقوة خط دفاعهم في سيناء بامتداد القناة ((خط بارليف)) هذا التهويل أثر فينا كثيرا ولم

نكن ندري كيف ستنتهي هذه الغمة ، وفجأة مات ناصر دون سابق إنذار فلم يمرض أو يقتل علانية ،وإنما سرت

إشاعات قوية أنه اغتيل بالسم ،المهم كنا في القاهرة عندما ذاع خبر الوفاة وأخذت الملايين تتجمع وتخرج في

كل مكان لتوديعه ،وقام المسئولين بقطع الكباري لأن القاهرة لم تعد تتحمل مزيدا من المشيعين ،كانت جنازة

مهيبة ، ومن أعجب الهتافات التي سمعتها ،وتعجبت من ترديدها ،كانت الجماهير تهتف ((يا جمال يا عود الفل

من بعدك حنشوف الذل ))كيف استشرفت هذه الجماهير المستقبل ،كيف عرفت أنها ستتجرع الذل من بعده ،كيف

عرفت أننا سنقبل ونحن منتصرون ما رفضناه ونحن منهزمون ، كيف عرفت أن كل الأبطال سيطويهم النسيان

وأن دماء الشهداء ستتحول إلى أرصدة في حسابات المغامرين ،كيف عرفت أن كل شيء سيباع ، كيف عرفت

أن مصر سيتضاءل دورها ،وأن المصري ستساء معاملته في بلده وخارج بلده ، كيف عرف أن الرأس التي

ارتفعت في 1952م سيأتي من يتآمر عل خفضها بنشر الأمراض الجسمية :السرطان والفشل الكلوي ،ونشر

الأمراض النفسية بتسويد المستقبل في وجوه الجميع ، كيف عرفت أن الأحتلال سيترسخ أكثر ،وأن عاصمتان

عربيتان ستسقطان في يد الاستعمار من جديد،كيف ..كيف ..كيف...((هل هناك ذل أكثر من ذلك )) مات ناصر

ومازالت قناة السويس تساهم في بناء مصر المبتلاة ..ومازال السد العالي يحمي مصر من التصحر ..وما زال

أبناء الفلاحين والعمال الذين كانوا مستعبدين قبل ناصر يترحمون عليه ،وكما قال الزعيم الأقريقي الكبير:

نيلسون مانديلا وهو يمنح اسم عبد الناصر أعلى وسام في جنوب أفريقيا قال :"إن العالم قبل عبد الناصر ..

ليس كالعالم بعد عبد الناصر " وكما قال :نيكسون وهو يوقف المناورات الأمريكية في البحر المتوسط يوم

وفاة عبد الناصر قال (إننا نوقف المناورات لوفاة زعيم عربي كبير نحترمه رغم أننا كنا نختلف معه))

والحلقة القادمة قدوم السادات وما يسمى ((ثورة التصحيح

ليست هناك تعليقات: