الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

المقامة الحلوانية

المقامة الحلوانية
لبديع الزمان الهمذاني
التعريف بالكاتب :
هو أبو الفضل أحمد بن الحسن الهمذاني ، وُلِدَ في همذان سنةَ 348 هـ واشتهر بالذكاء وتحصيل العلم وتأليف المقامات وله ديوان شعر ورسائل كثيرة ويعد من أبرع كتاب المقامة فقد أملى أربعمائة مقامة من ابتكاراته لم يبق منها إلا اثنتان وخمسون مقامة ، وقد سُمي بديع الزمان ؛ لأنه كان يحفظ المائة بيت من الشعر إذَا أُنْشِدَتْ مرة ، ويُنْشِدُهَا مِنْ آخرها إلى أولها مقْلوبة وقد تُوفي سنة 398 هـ .
أولا تعريف المقامة:
لغة: هي الجماعة والعظة والمجلس.
اصطلاحا: هي قصة خيالية تدور حول بطل مكد واسع الإطلاع في العلم والأدب, يكسب رزقه عن طريق الاحتيال بفصاحة لسانه, وتنتهي بطرفة أو موعظة (وقد اختلط على الناس المعنيين
ثانيا أسباب انتشار المقامة)عوامل ظهورها
1- انتشار طائفة الكدية؛ وهم جماعة يتكسبون رزقهم من خلال الاحتيال بالأدب وفصاحة اللسان ويتجولون في البلدان من اجل الرزق.
2- الرغبة في الحفاظ على اللغة وأساليبها وخصائصها .
3- إظهار المقدرة اللغوية للأديب وفصاحة لسانه.
)س) مَنْ أبطال مقامات بديع الزمان الهمذاني ؟
أبطال مقامات بديع الزمان الهمذاني : عيسى بن هشام (الراوي) - أبو الفتح السكندري(البطل المغامر) وهو لا يظهر في جميع المقامات .
)س) لماذا تعد المقامة نواة للقصة؟
لأنها اعتمدت على عناصر بناء القصة من (شخصيات ومكان وزمان وأحداث )
1 - البيئة المكانية : في هذه المقامة هي (الحمام) .
2 - البيئة الزمانية : عقب موسم الحج .
3 - الأشخاص : وهم [عيسى بن هشام - خادمه - صاحب الحمام - الرجلان العاملان ]
4 - الأحداث : هي التي عرضها الكاتب وتغلب عليها الفكاهة والبساطة ، وتنقصها العقدة والحل
ملاحظة : لقد اهتمت المقامة بتصوير الجانب الاجتماعي في القرن الرابع الهجري.
أشهر كتاب المقامة
قديما ( ابن دريد , وبديع الزمان الهمذاني ,والحريري(
حديثا (محمد المويلحي في كتاب حديث عيسى ابن هشام, والشيخ نصيف اليازجي(
التزمت المقامة نظاما خاصا في موضوعها ولغتها ونمط أحداثها علل ذلك.
أولا الموضوع: تعتمد على حكاية في موقف لشخص , وتنتهي بفكاهة أو موعظة.
ثانيا اللغة: تلتزم نظاما فنيا في لغتها باختلاف الأداء اللغوي بين الرقة والغرابة وكثرة المحسنات البديعية.
ثالثا نمط الأحداث: تتابع وتتأزم الأحداث منذ البداية عند دخول الحمام والتلطيخ بالطين ثم تنافس العمال والصراع بينهما ثم التحاكم أمام صاحب الحمام الذي أساء لعيسى بن هشام مما أدى لهروبه من الحمام خوفا على نفسه.


)س) ما أهمية المقامة في أدبنا العربي؟
ترجع أهمية المقامة إلى أنها تعتبر النواة الأولى للقصة في أدبنا العربي؛ فقد ظهرت فيها العناصر الأساسية للقصة وهي (المكان والزمان والشخصيات والأحداث)
س -قارن بين القصة القصيرة والمقامة.
القصة القصيرة
هي حدث أو أحداث تتصارع في حبكة فنية تنتهي عقدتها إلى الحل المطلوب وهي تعتمد على الإثارة والتشويق, ولا تشابه بين قصة وأخرى وتمتاز بالتكثيف والتركيز والقصر.
المقامة
هي قطع أدبية يلقيها الأديب قائما في المجالس وهي تدور حول بطل واحد, له راوية وهما متكرران في كل مقامة, والبطل متميز بأنه صعلوك ماهر متسول حاضر البديهة لديه القدرة على ارتجال الشعر والنثر وتنتهي بطرفة أو موعظة وهدفها كسب الرزق.
السمات والخصائص الفنية للمقامة(لبديع الزمان الهمذاني)
1-كل مقامة لها بطل وراوية يروي أحداثها.
2- النقد الاجتماعي والسلوكي للأفراد وعرض بعض قطاعات المجتمع.
3- الألغاز والأحاجي في بعض المقامات.
4-كثرة الأشعار إما من إبداع المؤلف أو من إبداع آخرين.
5-تنوع كلماتها بين الرقة والعذوبة إلى الخشونة والتعقيد.
6-الجدل حول العقائد الدينية في بعض الأحيان.
7- الميل للفكاهة والمرح لإمتاع القارئ كما حدث في صراع العاملين ثم تحاكمهما لدى الحمامي
آثار البيئة في المقامة:
1- إقامة الحمامات العامة التي يقصدها الراغبون في النظافة والعلاج.
2- الاستعانة في الحمام بالحلاقين والمدلكين.
3- استخدام الطين في العلاج ولا يزال يستخدم حتى الآن.
4- قلة مهارة بعض الحلاقين وعدم حدة الموس والثرثرة فيما لا يعنيه.
5- المنافسة بين العمال للحصول على مزيد من الربح مما يؤدي للمشاجرة والصراع.
تعد المقامة احد مصادر اللغة (ما أهمية المقامة للغة):
1- تعد من مصادر اللغة عن طريق استخدام الغريب من الألفاظ
2- المحافظة على أساليب اللغة وأصولها وألفاظها
3- حافظت على اللغة من الضياع في وقت بدأت تيارات الثقافات الإقليمية تظهر بصورة واضحة.
لماذا سميت المقامة بالحلوانية؟ وأين تقع الإسكندرية التي ينسب إليها أبو الفتح السكندري؟
سميت المقامة بالحلوانية نسبة إلى حلوان التي تقع جنوب همذان بالقرب من بغداد,
أما الإسكندرية في تلك التي بناها الإسكندر عي نهر جيجون شرقي بلاد فارس.
كم عدد المقامات التي أملاها بديع الزمان على الناس أول عهده وكم مقامة وصلت إلينا؟
أملى على الناس ما يقارب أربعمائة مقامة ولكن ضاع معظمها فلم يصل إلينا سوى اثنتين وخمسين مقامة.
من أول من بدأ فن المقامة وما هدفه؟
كان ابن دريد أول من بدأ فن المقامة بهدف معرفة اللغة وألفاظها الغريبة والمحافظة عليها.
نص المقامة
)1 العودة من الحج والبحث عن حمام(
حدّثَنا عِيسى بنُ هشامٍ قال : لما قفلتُ من الحجِّ فيمنَ قفَل ، ونزلتُ حُلوانَ مع مَنْ نزل ، قلتُ لغلامي أجدُ شعري طويلاً ، وقد اتَّسخَ بدني قليلاً ، فاخترْ لنا حمَّاماَ ندخلهُ ، وحجَّاماً نستعمله ، وليكنْ الحمامُ واسع الرُّقعة ، نظيف البُقعة ، طيبَ الهواء ، معتدل الماء ، وليكن الحجام خفيف اليد ، حديد الموسى ، نظيف الثياب ، قليل الفضول .
اللغويات :
لما: أداة شرط غير جازمة بمعنى حين – نزلت : دخلت- الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام وهو قصد بيت الله الحرام - قفلتُ : رجعت ، المصدر : قفول × ذهبت - حُلْوان : مدينة قديمة في العراق جنوب بغداد - غلامي : خادمي ج غلمان، غلمة, أغلمة - بدني : جسمي ج أبدان – اختر: انتق - حجَّاماً : المراد حلاقاً (والحجَّام في اللغة هو : مَن يُعالج المريض بالحجامة وهي استخراج الدم بالمحجْم) - نستعملُه : نجعله عاملاً لتقصير الشعر - الرُّقعة : أي المساحة ج رقع, رقاع - البُقعة : المكان ج بقع, بقاع- خفيف اليد: ماهر في صنعته حديد : حاد - الموسى : شفرة الحلاقة ج مواس, موسيات- قليل الفضول : قليل الكلام لا يُثرثر ولا يدخل فيما لا يعْنيه .
الشرح :
يقول عيسى بن هشام: عندما عدت من قضاء فريضة الله وركن الإسلام الخامس الحج, ودخلت مع الحجاج العائدين مدينة حلوان, وجدت شعري طويلا وقد اتسخ بدني من أثر السفر, فطلبت من خادمي أن يذهب إلى المدينة ويبحث عن حمام عام حلاق ماهر, بهدف الاغتسال والنظافة,
وحددت له شروط الحمام والحلاق...
شروط الحمام أن يكون مساحته واسعة, ومكانه نظيف وهواءه طيب ورائحته عطرة, وماؤه معتدل لا بارد ولا ساخن.
وشروط الحلاق أن يكون ماهر في استخدام الموس, ثيابه نظيفة وموسه حاد وقليل الكلام فلا يتدخل في ما لا يعنيه.
الأساليب : معظم الفقرة أساليب خبرية غرضها : الوصف .
(فاختر لنا) : إنشائي أمر غرضه : الالتماس .
(وليكن الحمام ، وليكن الحجام) : إنشائي أمر غرضه : التمني .
المحسنات البديعية :
أولا السجع :
(قفل ، نزل) و (طويلاً ، قليلاً) و (ندخله ، نستعمله) و (الرقعة ، البقعة) و (الهواء ، الماء) :
ثانيا الازدواج :
(لما قفلتُ من الحجِّ فيمنَ قفَل) ، (ونزلتُ حُلوانَ مع مَنْ نزل)
(خفيف اليد ، حديد الموسى ، نظيف الثياب ، قليل الفضول)
ثالثا الجناس : (حماما – حجاما) (الرقعة – البقعة)
الصور الخيالية :
(خفيف اليد) : كناية عن صفة المهارة






) 2-صراع على رأسي(
فخرجَ مليّاً ، وعاد بطيّاً ، وقالَ : قد اخترتُه كَما رَسمْتَ ، فأخَذْنَا إلى الحمامِ السمْتَ ، وأتيناهُ فلمْ نَرَ قِوامَه ، لكنني دخلتُه ، ودخلَ على أثرِى رجلٌ ، وعمدَ إلى قطعةِ طينٍ ، فلطَّخَ بها جبيني ، ووضَعْها على رأسي ثُم خرج ، ودخل آخر ، فجعل يدلكني دلكاً يكد العظام ، ويغمزني غمزاً يهد الأوصال ، ويصفر صفيراً يرش البزاق ، ثم عمد إلى رأسي يغسله ، وإلى الماء يرسله ، وما لَبِثَ أنْ دخَلَ الأولُ فحيَّا أخدعَ الثاني بلطمةٍ قعقعتْ أنيابَه ، وقال يالُكَعُ مالَكَ ولهذا الرأسِ وهُو لي ؟ ثُمَّ عطفَ الثاني على الأولِ بصفْعةٍ هتكتْ حِجابَه ، وقال : بل هذا الرأسُ حقي وملكي وفي يدي ، ثُم تَلاكَما حتى عَيِيَا ، وتَحاكَما لما بَقِى .
اللغويات :
- مليًّا : وقتاً طويلاً - بطيًّا : بطيئاً - كما رسمت : كما وصفت -السمتُ : الطريق ج سُمُوت - وأخذْنا السمتَ إلى الحمامِ : سرنا في الطريق إليه - قَوامه : نظامه - على أثري : خلفي - عمِد : قصَد - لطَّخ : لوَّث - جبيني : جبهتي ج أجبن ، أجبنة ، جبن - يكدُّ : يُتعب ويُرهق - يغمزني : يضغطني ويعصرني – يهد: يكسر ويضعضع - الأوْصال : المفاصل م وصْل - البُزاق : البُصاق واللُّعاب - يرسلُه : يصبُّه ويفيضه – مالبث : لم يتأخر والمراد بعد وقت قصير- الأخْدع : أحد عرقين من جانبي الرقبة . ومعنى (حيَّا أخدعَه بلطمةٍ) أنه صفعه على جانب عنقه والتعبير على سبيل السخرية ج أخادع – بمضمومة: أصابع مضمومة والمراد صفعه ولطمة - فقعقعتْ أنيابَه : جعلت أسنانه تُصدر صوتاً من شدة اللطمة – أنيابه: ج ناب وهو السن خلف الرباعية وهي مؤنثه يا لُكَع : يا لَئِيم أو يا أحمق ج لكعون - وهو لي : هو من حقي ؛ لأني بدأتُ معه بوضعِ الطينِ فهو محجوز لي - عطفَ : رجع واتجه أي هجم- هتكت : مزقت - حِجابه : الحجاب الستار والمراد هنا شرفه وكرامته ج حُجُب- تلاكما: تبادلا اللكمات- عيِيا : تعبا وأرهقا - تحاكما : طلبا من يحكم بينهما - بقي: فيما بقي من الأمر ومدت الياء لتناسب الفاصلة.


الشرح :
وبعد وقت غير قصير عاد الغلام بطئا في مشيته ليخبرني أنه وجد الحمام كما أريده, فاتجهنا إليه ودخلته دون أن أتحقق من وجود الشروط التي وضعتها.
فلحقني أحد العمال فوضع الطين على رأسي ثم خرج, فأتى عامل آخر فدلكني بعنف أرهق عظامي وأتعب مفاصلي, فقد عصرني بشدة وضغط على جسدي بقوة, وأثناء ذلك كان يصفر صفيرا يخرج منه لعابه بصورة قبيحة, ثم اتجه إلى الماء يصبه على رأسي.
ثم عاد الأول فوجد الثاني يقوم بعمله, ففاجئه بلكمة قوية جعلت أسنانه تصدر صوتا شديدا, ثم قال له يا لئيم لم كيف تتعدى على هذا الرأس وهو من حقي ومحجوز لي؟ فهجم عليه العامل الثاني بصفعة قوية على وجهه مزقت عمامته وكرامته, وقال بل هو من حقي لأني أعمل فيه الآن.
ثم استمرا في القتال حتى تعبا من كثرة اللكمات والصفعات, فقررا أن يطلبا حكما يفصل بينهما في هذا الأمر.
الأساليب : معظم أساليب الفقرة خبرية للتقرير .أما الأساليب الإنشائية فهي....
(يا لكع) : نداء غرضه : الذم والتحقير .
(مالك ولهذا الرأس وهولي ؟) :استفهام غرضه : التعجب والإنكار .
المحسنات البديعية :
الطباق بين (خرج،عاد)و(دخل،خرج)
السجع في (ملياً ، بطياً) و(رسمت ، السمت) و (يغسله ، يرسله) و (عييا ، بقيا)
الازدواج بين (يدلكني دلكاً يكد العظام ، ويغمزني غمزاً يهد الأوصال ، ويصفر صفيراً يرش البزاق).
الجناس الناقص بين (رسمت ، السمت) و (يكد ، يهد) و (يغسله ، يرسله) و (تلاكما ، تحاكما)
الإطناب في (يدلكني دلكاً يكد العظام ، ويغمزني غمزاً يهد الأوصال) و(حقي ، وملكي) يؤكد الفكرة .
الصور الخيالية :
(يكد العظام / يهد الأوصال) كناية عن قوته وعنف الرجل في أداء عمله.
(صفيرا يرش البزاق) كناية عن التعب والضيق.
(قعقعت أنيابه) كناية عن شدة الضربة وعنفها .
(هتكت حجابه) كناية عن قوة الضربات وشدتها وعنفها ، و استعارة تصريحية فيها تصوير للشرف بحجاب يهتك ، وسر جمالها التجسيم .
(تلاكما حتى عييا) : كناية عن طول مدة الشجار بين الرجلين .
(إلى الماء يرسله) استعارة مكنية فقد صور الماء بإنسان يرسل (للتشخيص)
(حياً أخدع الثاني بمضمومة) : استعارة مكنية جعلت الصفعة القوية الصادرة عن قبضة الرجل إلى أخدع زميله تحية. (للتوضيح) وفيها إيحاء بالتهكم والسخرية .
3(الاحتكام إلى صاحب الحمام)
- " فَأَتَيا صَاحِبَ الحَمَّامِ ، فَقَالَ الأَوَّلُ : أَنَا صَاحِبُ هَذا الرَّأْسِ ؛ لأَنِّي لَطَّخْتُ جَبِينَهُ ، وَوَضَعْتُ عَلَيْهِ طِيَنهُ ، وَقَالَ الثَّاني : بَلْ أَنَا مَالِكُهُ؛ لأَنّي دَلَكْتُ حَامِلَهُ ، وَغَمَزْتُ مَفَاصِلَهُ ، فَقَالَ الحَمَّامِيُّ : ائْتُونِي بِصَاحِبِ الرَّأْسِ أَسْأَلهُ ، أَلَكَ هذَا الرَّأْسُ أَمْ لَهُ ؟ فَأَتَيَانِي وَقَالا : لَنَا عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فَتَجَشَّمْ ، فَقُمْتُ وَأَتَيْتُ ، شِئْتُ أَمْ أَبَيْتُ ، فَقَالَ الحَمَّامِي : يَا رَجُلُ لاَ تَقُل غَيْرَ الصِّدْقِ ، وَلا تَشْهَدْ بِغَيْرِ الحَقِّ ، وَقُلْ لِي : هذَا الرَّأْسُ لأيِّهِمَا ، فَقُلْتُ : يَا عَافَاكَ اللهُ هذَا رأْسِي ، قَدْ صَحِبَنِي فِي الطَّرِيقِ ، وَطَافَ مَعِي بِالْبَيْتِ العَتِيقِ ، وَمَا شَككْتُ أَنَّهُ لِي ، فَقالَ لِي : اسْكُتْ يِا فُضُولِيُّ ، ثُمَّ مالَ إِلى أَحَدِ الخَصْمَيَنِ فَقَالَ : يَا هَذَا إِلَى كَمْ هَذِهِ المُنافَسَةُ مَعَ النَّاسِ ، بِهذَا الرَّأْسِ ، تَسَلَّ عَنْ قَلِيلِ خَطَرِهِ ، إِلى لَعْنَةِ اللهِ وَحَرِّ سَقَرِهِ ، وَهَبْ أَنَّ هَذا الرَّأْسَ لَيْسَ ، وَأَنَا لَمْ نَرَ هذَا التَّيْسَ .. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ : فَقُمْتَ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ خَجِلاً ، وَلَبِسْتُ الثِّيابَ وَجِلاً ، وَانْسَلَلْتُ مِنْ الحَمَّامِ عَجِلاً .. "
اللغويات :
فآتيا: جاءا – مالكه: الأحق به –حامله: المراد عيس بن هشام- ائتوني: أحضروا لي - تجشَّمْ : تحمل المشقة - شئت : رضيت وأردت والمصدر مشيئة - أبيت : رفضت والمصدر إباء - شئتُ أم أبيتُ : سواء أردت أم رفضت (أي أنه لا يستطيع الامتناع) –الحمامي : صاحب الحمام هذا الرأس لأيِّهما : أي الرجلين مسئول عن نظافتها ؟- يا عافاك الله : حفظك الله ورزقك العافية ، والمنادى محذوف وأصله(يا رجلُ عافاك الله) – طاف: دار حول من يطوف- البيت العتيق : البيت الحرام بمكة - يا فضولي : يا ثرثار ، كثير الكلام ، من يتدخل فيما لا يعنيه (يعنى أنه شاهد زُور) - الخَصمينِ : الرجلين المتنازعين م خصم, ج خصوم, خصام - إلى كم ؟ : إلى متى ؟ - المنافسة : المزاحمة والمسابقة - تسَلَّ : اصْبر وتسامحْ – خطره: منزلته وقدره- عن قليلِ خطرِه : أي عن فائدته القليلة – لعنة الله: الطرد من رحمته- حر: لهيب- سَقَر : جهنم والمعنى .(اتركه يذهب ملعوناً إلى جهنم) - هَبْ : افرضْ - ليس : أي ليس موجودا ً- التيس : ذكر الماعز ج تيوس, أتياس, أتيس, تيسه- خجلا: خجلان - وجِلاً : فزِعًا خائفا - انسللتُ : خرجت في خفية - عجلاً : مُسرعاً .
الشرح :
فأسرع العاملان إلى صاحب الحمام يطلبا منه الفصل بينهما, وكل منهما يعرض دليله على أنه الأحق برأس عيسى بن هشام, فقال الأول أنا الأحق بالعمل فيه لأني وضعت علي رأسه الطين وحجزته, فقال الثاني بل أنا الأحق به لأني دلكت مفاصله وعظامه, فأمر الحمامي أن يحضرا عيسى بن هشام لسؤاله.
فحضر العاملان إلي وطلبا مني الشهادة وتحمل المشقة وعدم الكذب, ولم أجد مفر من استجابة طلبهما فذهبت معهما للحمامي, فقال لي يا هذا من صاحب هذا الرأس, فرددت عليه بأنه ليس من حقهما لأنه رأسي أنا, ذهب معي للحج وعاد معي من هناك, فأمرني بالسكوت لأن كلامي لا يفيد واتهمني بكثرة الكلام.
ثم اتجه الحمامي إلى أحد المتخاصمين وطلب منه أن يترك هذا الصراع مع زميله حول هذا
الرجل, ودعا علىّ باللعنة والجحيم, وطلب منه أن يفرض أنه لم يرى هذا التيس (عيسى ين هشام), فقمت مسرعا فليست ثيابي وهربت من الحمام دون أن يراني أحد خوفا على نفسي منهم.

الأساليب : معظمها خبرية للتقرير أما الإنشائي فهي.....
(ائتوني) (قل لي) (تجشم): أمر غرضه الالتماس .
(ألك هذا الرأس أم له) : استفهام حقيقي لا بلاغة فيه .
(اسكت) : أمر للتهديد
(يا فضولي) (يا هذا): نداء للذم والتحقير .
(لا تقل غير الصدق ، ولا تشهد بغير الحق) : نهي غرضه النصح و التحذير .
(ألك هذا الرأس أم له ؟ هذا الرأس لأيهم ؟) : استفهام حقيقي لا بلاغة فيه .
(إلى كم هذه المنافسة مع الناس ؟) : استفهام غرضه التوبيخ .
(تسلْ) (هب) : أمر غرضه النصح والإرشاد .
( عافاك الله ) أسلوب خبري لفظاً إنشائي معنى ، غرضه الدعاء .
المحسنات البديعية :
الطباق بين (شئت ، أبيت)
الإطناب في : (لا تقل غير الصدق ، ولا تشهد بغير الحق) يؤكد الفكرة .
السجع والازدواج في معظم الجمل مثل (جبينه ، طينه) و (حامله ، مفاصله) و (أسأله ، أم له)...
الجناس الناقص بين (أتيت ، أبيت) و(ليس ، التيس) و(خجلاً ، وجلاً ، عجلاً)
الصور الخيالية :
(هذا الرأس قد صحبني) (طاف معي) استعارة مكنية فقد شبه الرأس بإنسان يصاحب ويطوف
(البيت العتيق) : كناية عن الكعبة .
(التيس) : استعارة تصريحية حيث صور عيسى بن هشام تيساً . حذفت المشبه وصرحت بالمشبه به ، وتوحي بالتحقير والذم والسخرية .
( يا عافاك الله ) إيجاز بالحذف, فقد حذف المنادى وأصل التعبير : " يا رجل ، عافاك الله " وتم الحذف للعلم بالمحذوف وللإثارة والتشويق
مع أطيب المنى

ليست هناك تعليقات: