الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

من دروس حرب أكتوبر

من دروس حرب أكتوبر

بقلم د. حسن نافعة ٦/ ١٠/ ٢٠١٠
فى مثل هذا اليوم من عام ١٩٧٣، وتحديدا فى تمام الساعة الثانية إلا خمس دقائق ظهرا، جرت أحداث صنعت ما يشبه المعجزة. فقد بدأ الجيش المصرى عبوره العظيم نحو الضفة الشرقية للقناة، وشرع فى تحطيم خط بارليف، ثم راح يواصل زحفه فى اتجاه سيناء. فى اللحظة نفسها بدأ الجيش السورى تحركا مشابها صوب الجولان، طبقا لخطة عسكرية مشتركة متفق عليها سلفا بين القيادتين المصرية والسورية.

ومع توالى أخبار استسلام المواقع الإسرائيلية راحت أسطورة الجيش الذى لا يُقهر تتهاوى، وبدأت الشعوب العربية تستعيد ثقتها فى نفسها، وتحس بطعم انتصار كبير حل محل مرارة هزيمة يونيو النكراء عام ٦٧. وخلف مسرح قتال واسع، امتد من مشارف القاهرة حتى مشارف دمشق، كانت الأمة العربية، شعوبا وحكومات، تقف كلها صفا واحدا وراء جيوشها المقاتلة. فما هى إلا أيام قليلة حتى دخل النفط سلاح المعركة، مضيفا إلى قوة الأداء القتالى بعدا استراتيجيا بالغ الأهمية، ومؤكدا بما لا يقبل مجالا للشك أن إرادة أمة عظيمة قد توحدت وباتت مصممة على تحقيق النصر.

غير أن الرياح ما لبثت أن سارت فى اتجاه معاكس لكل ما تشتهى سفن الشعوب المطالبة بالحرية والاستقلال. ولأن النتائج التى نراها بعد ٣٧ عاما من ذلك اليوم المشهود لا تتسق أبدا مع مقدماته، أظن أنه بات لزاما علينا أن نفسر لجيل الشباب، الذى لم يعايش بنفسه تلك الصفحة المجيدة من تاريخ أمته، أسباب تلك المفارقة الهائلة.. ولإدراك حجمها وطبيعتها أدعو هذا الجيل لتأمل الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى: أن الإنجاز الذى تحقق فى ٧٣ لم يكن مصريا خالصا، وإنما كان عربيا بامتياز. فقد كانت سوريا شريكا فى الحرب، وظلت وحدات عسكرية من أقطار عربية عديدة ترابط فى منطقة القناة منذ ٦٧، وشارك بعضها فى معارك ٧٣، وقامت الدول العربية النفطية بتعويض مصر عن الخسائر الناجمة عن إغلاق قناة السويس، وموّلت صفقات سلاح عديدة قبل الحرب، ثم استخدمت سلاح النفط أثناء المعركة. وبعد الحرب رفع السادات شعار «مصر أولاً» (وكأن مصر تحارب من أجل العرب وليس دفاعا عن أمنها)، لينتهى بها المطاف ببيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس.

الحقيقة الثانية: أننا حاربنا وانتصرنا بسلاح سوفيتى. وبعد الحرب رفض السادات أى دور للاتحاد السوفيتى، ومنح الولايات المتحدة تفويضا باحتكار عملية التسوية، لنصبح على أعتاب تسوية بالشروط الإسرائيلية وكأننا هُزمنا تماما فى الحرب.

الحقيقة الثالثة: لعب القطاع العام الدور الأساسى فى تعبئة الموارد اللازمة لخوض الحرب. وبعد الحرب بدأ السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى، ثم أكمل مبارك ببيع القطاع العام وخصخصة النشاط الاقتصادى، لينتهى الأمر باقتصاد تابع مكّن لشريحة اجتماعية صغيرة الاستيلاء على معظم ثمار النصر، وأدى إلى فجوة هائلة فى توزيع عوائد التنمية، وخلل كبير فى جداول الرواتب، وحجم بطالة غير مسبوق.

مقدمات ما جرى تشير إلى أن مصر على أعتاب مرحلة جديدة تنعم فيها بالسلام والاستقرار والرخاء، بينما النتائج العملية لما يجرى تقول إن السلام والرخاء لم يكونا أبعد منالاً مما هما عليه الآن. لذا علينا أن ندرك أن شيئا خطيرا وقع مكّن عملاء الداخل، بالتعاون الوثيق مع لصوص الخارج، من إسقاط عناصر القوة التى صنعت النصر.

أما الدروس التى يتعين علينا استيعابها بعد ٣٧ عاما مما جرى فى ذلك اليوم المجيد، فهى كثيرة. أولها: أن إسرائيل كانت ولاتزال هى العدو، ولن يكون لمصر عدو سواها، وثانيها: أن الأمة العربية هى عمق مصر الطبيعى، ولا قيمة لأى منهما بدون الآخر، وثالثها: أن المواطنة والعدالة الاجتماعية قيمتان لا غنى عنهما لبناء دولة مصرية حديثة قادرة على مواجهة تحديات الداخل، وفى مقدمتها الفتنة الطائفية، وتحديات الخارج، وفى مقدمتها، المشروع الصهيونى.

((منقول))


ليست هناك تعليقات: