السبت، 17 أكتوبر 2009

الفصل الثاني من قصة وا إسلاماه2-ث

الفصل الثاني
جلال الدين يصارع التتار
استعداد جلال الدين لقتال التتار :
منذ أن عاهد جلال الدين ابن عمه الأمير ممدود على حرب التتار, ترك الراحة وقضى قرابة شهرا في تجهيز الجيش وإعداد العدد والرجال, وتقوية الحصون والقلاع, وبناء الحصون على طول الطريق , وساعده في ذلك الأمير ممدود.
كما كانت من عادته أنه إذا خرج لحرب ما فإنه يستشير منجمه الخاص لينظر في طالعه.
استطلاع النجوم, وحكم الدين من ذلك :
التنجيم هو ادعاء بعض الناس معرفة الغيب بالباطل, فالمنجم يدعي أنه قادر على معرفة الغيب وما قد يحصل للإنسان في المستقبل, ولهم في ذلك أساليب كثيرة, فمنهم من ينظر في كتاب يقرأه, وآخر يعتمد على النجوم وثالث على الودع ورابع على الرمل وهكذا...
وحقيقة الأمير أن المنجم يعتمد في الوصول إلى المعلومات التي يخبر بها ضحيته على بعض الناس الذين يبحثون في أسراره ويعرفون خباياه, ومن خلال ما يعرفه يوهم الناس بقدرته على معرفة الغيب والأمور الخفية.
حكم الدين في التنجيم :
لقد حرم الله تعالى ورسوله الكريم التنجيم, حتى أن من يذهب إلى عراف أو منجم ويصدقه فيما يقول فقد خرج عن الإسلام وكفر بالله, أما إن ذهب ولم يصدق فقد بطل عمله أربعين يوما ولا يقبل منها خلالها صلاة ولا صدقة ولا فعل الخير, إلا من تاب إلى الله توبة نصوحا.
نبوءة المنجم لجلال الدين :
أخبر المنجم جلال الدين بأنه سيحارب التتار فيهزمهم في أول الأمر ثم يهزمه التتار في نهاية الأمر, وأخبره أنه سيولد في أهل بيته في هذا الأسبوع غلاما يملك بلادا عظيمة ويحارب التتار ويهزمهم هزيمة ساحقة ويشتت شملهم .

كيف فهم جلال الدين نبوءة المنجم ؟
ظن جلال الدين أن الحرب بينه وبين التتار ستبدأ بهزيمته ثم تنته بانتصاره, ولكن المنجم صحح له الأمر وقال بأنه سينتصر في بداية المعارك ولكنه مهزوم في نهايتها.
ما موقف ممدود من قول المنجم وتصحيحه لظن جلال الدين ؟
لام الأمير ممدود المنجم وقال له يا هذا لقد جئنا بك لتبشر السلطان لا لتخوفه, والسلطان ليس بمن يخاف من أكاذيبك وتنبوءاتك , فرد المنجم وقال لو شاء السلطان صدقته ولو شاء بشرته فقال له السلطان جلال الدين بل اصدق في القول.
متى يولد الغلام كما قال المنجم ؟ وما أثر ذلك على جلال الدين والأمير ممدود ؟
يولد الغلام في هذا الأسبوع, وقد اندهش جلال الدين وتعجب من ذلك لأن زوجته في أيام حملها الأخيرة.
أما الأمير ممدود فلم يندهش ولم يتعجب, لأنه يظن أن المنجم لابد وقد عرف أن زوجة السلطان حامل وفي أيام حملها الأخيرة, كما أن المنجم قال "يولد في أهل بيت السلطان" ولم يقل يولد للسلطان, وأهل بيت جلال الدين في (غزنة) وغيرها يعدون بالآلاف, وبذلك لو وضعت زوجة جلال الدين أنثى فلا حرج عليه, كما أن أخت جلال الدين وزوجة الأمير ممدود حامل, واحتمال مولد الغلام من إحدى المرأتين أقوى .
رأي الأمير ممدود في المنجم والتنجيم :
يرى الأمير ممدود أن المنجمين ليسوا سوى دجالين يدعون معرفة الغيب, بسبب ما لديهم من مهارة وفطنة في استطلاع أدق أخبرا وأسرار من يستفتيهم, وعلى قدر ذكاء ومهارة الدجال تقترب تنبوءاته من الحقيقة.
خواطر وهواجس الأمير ممدود :
ثارت في نفس الأمير ممدود الهواجس والمخاوف من أن تلد زوجته غلاما وتلد زوجة جلال الدين جاريه, فيؤدي ذلك إلى غضب جلال الدين على الغلام وربما قتله, وسبب هذه المخاوف أن الأمير ممدود يعرف تكالب الملوك على الملك وأنهم يحرصون على بقائه في نسلهم ولا يجدون حرجا من الفتك بأقرب الناس إليهم للحفاظ عليه لأبنائهم.

نتيجة هذه الخواطر على الأمير ممدود :
خاف الأمير ممدود من تحقق تلك المخاوف فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وجعل كل همه أن يطعن في المنجمين أمام جلال الدين ويبين أكاذيبهم, ليصرف عن جلال الدين التفكير في كلام المنجم والاعتقاد بصدقهم.
وقد دلل على كلامه بكثير من الحوادث التي أثبتت أن هؤلاء المنجمين لا يعلمون الغيب ومن ذلك أن الخليفة العباسي (المعتصم بالله) استشار منجمه الخاص عندما أراد الخروج لفتح عمورية, فحذره المنجم من الخروج في هذا اليوم لأن الطالع ليس في صالحه,وأنه سنهزم, ولكن الخليفة لم يستمع إليه وخرج وكسر جموع الروم وفتح عمورية .
أثر هذه النبوءة على جلال الدين وعلى الأمير ممدود :
أولا أثرها على السلطان جلال الدين :
1- لم يستطع الأمير ممدود أن يصرف عن جلال الدين التفكير في كلام المنجم, وأنهم كذابون لا يعرفون الغيب, فكان كلما تذكر جلال الدين نبوءة المنجم فرح لأنه سينتصر على التتار, ولكن إذا تذكر هزيمته في النهاية حزن حزنا شديدا, ثم يعود إلى الفرح والسرور عندما يتذكر أن هلاك التتار وتشتيت شملهم سيكون على يد مولود في أهل بيته .
2- تغير وجه جلال الدين واسودت الدنيا في عيناه عندما أنجبت زوجته فتاة, واشتد عليه الأمير عندما علم بأن أخته وزوجة الأمير ممدود أنجبت غلاما, وأيقن أن الملك سينتقل إلى ابن ممدود وأنه هو من سيهزم التتار ويشتت شملهم.
3- وصل الأمر بجلال الدين إلى التفكير في التخلص من ابن أخته خوفا من انتقال الملك إليه, ولكنه رجع عن ذلك حينما عاتبته عينا أخته وهي ترضع الغلام, فرق قلبه وأدرك أن الطفل لا ذنب له في ذلك كله.
ثانيا أثر النبوءة على الأمير ممدود :
لم يصدق الأمير ممدود هذه النبوءة لأنه لا يثق في كلام المنجمين من الأساس, ولكنه فزع لأمرين الأول هو خوفه أن تضعف هذه النبوءة جلال الدين فيرجع عن عزمه ولا يحارب التتار, والثاني خاف الأمير ممدود أن تلد زوجته غلاما وتلد زوجة جلال الدين فتاة, فيثير ذلك جلال الدين ويدفعه إلى قتل الغلام خوفا من انتقال الملك إليه.

موقف جيهان خاتون من مخاوف الأمير ممدود :
أفضى الأمر ممدود بالأمر إلى زوجته (جهان خاتون) والتي شاركته في الخوف لما تعلم من طباع أخيها ولكنها كتمته في نفسها وتظاهرت لممدود بأنها لا تخشى شيئاً من ذلك ؛ لأن أخاها يحبها ويعزها, ولا يمكن أن يمده يده إلى ابنها بسوء, وظلت في الخفاء تدعو الله أن يرزقها بفتاة ويرزق أخاها جلال الدين غلاما خوفا من بطش جلال الدين.
لماذا ذهب جلال الدين إلى قصر أخته ؟
ذهب جلال الدين إلى قصر أخته ليطمئن على صحتها ,ويرى ذلك الغلام الذي سينتقل الملك إليه ويهزم التتار, فما رآه بين أحضان أمه ترضعه لم يستطع أن يخفى التغير الذي ظهر على وجهه, حتى أن أخته قرأت في عينه الغد والخيانة .
ماذا فعلت جهان خاتون عندما حضر جلال الدين ليراها, وكيف تصرف الأمير ممدود ؟
حاولت أن تقول شيئا تلاطف به أخاها ولكنها لم تجد ما تقول فاكتفت بنظرة تعاتب فيها جلال الدين على ما بدر منه من غدر بابنها, وتظهر فيها العطف والإشفاق عليه .
وقد أسرع الأمير ممدود يخفف عن جلال الدين فقال " لقد نزع إليكم آل خوارزم شاه في كل شيء ولم ينزع إلي في شيء ",وعندما قال جلال الدين بأن هذا الطفل الذي سيهزم التتار, أسرع الأمير ممدود يقول "في خدمة خاله وركابه " ثم حول الحديث إلى المنجم وكذبه وعدم قدرته على معرفة الغيب.
ما شعور جلال الدين بعدما رأى الطفل ؟
في البداية لم يستطع أن يخفي التغير البادي في وجهه, ولكن عتاب عينا أخته له , وبراعة الأمير ممدود, جعله يشعر بالخجل من الارتياب من طفل صغير لا ذنب له, ثم طبع على جبين أخته قبلة كأنه يستغفرها ويطلب منه العفو عما بدر منه تجاه الطفل ويعبدها بألا تمد يده إلي طفلها بسوء.
مال أنباء التي جاءت جلال الدين؟ وماذا فعل ؟
جاءت الأنباء أن التتار دخلوا (مرو) وساروا إلى (نيسابور"), وأنهم دخلوا (هراة) بعد حصار دام عشرة أيام ويتجهون إلى (غزنة), فأسرع جلال الدين في ستين ألفا من جنوده وقاتلهم بالقرب من (هراة) فهزمهم وقتل منهم خلقا كثيرا.
ثم أرسل رسله إلى أهل (هراة) يخبرونهم بالانتصار على التتار, ففرح الناس فيها وقتلوا حامية التتار, فلما عادت فلول التتار إلى (هراة) وعلموا ما وقع من أهلها انتقموا منهم فقتلوا كل من وجدوه من الرجال والنساء والأطفال وخربوا المدينة وأتلفوا كل ما لم يقدروا على حمله من الأموال
ثم طاردهم جلال الدين فأجلاهم عن (هراة) وظل في مطاردتهم حتى حدود (الطالقان) وهي القاعدة الجيدة التي اتخذها جنكيز خان يبعث منها سراياه وجيوشه ليفسدوا في الأرض.
لماذا توقف جلال الدين ولم يكمل مهاجمة التتار في الطالقان ؟
توقف جلال الدين ولم يهاجم التتار في قاعدتهم الجديدة, حتى يريح جيشه من تعب المعركة,, وعاد بخيرة جيشه إلى (غزنة) وترك حاميات قوية على المدن التي طرد منها التتار.
كيف كان يوم عودة جلال الدين إلى غزنة ؟
كان يوم عودة جلال الدين إلى غزنة يوما مشهودا فقد تجمع الناس واحتفلوا به احتفالا عظيما, ولم ينقص من جمال هذا اليوم إلا عودة الأمير ممدود جريحا ومحمولا على محفة بعدما قدم أروع البطولات في المعركة.
ما أثر جرح الأمير ممدود على جلال الدين ؟
حزن جلال الدين لما أصاب صهره ووزيره وابن عمه الأمير ممدود, واهتم بعلاجه فأحضر خير أطباء زمانه وأغدق عليهم الأموال ووعدهم لمكافئات عظيمة إن شفي ممدود على أيديهم, ولكن جراحه كانت بالغة, فلم تنفع مهارة الأطباء معها, وبدأت صحته تسوء يوما بعد يوم إلى أن فارق الحياة شهيدا في سبيل الله.
وصى الأمير ممدود ابن عمه السلطان جلال الدين بعدة وصايا, فما هي ؟
عندما ثقلت العلة على الأمير ممدود وأحس بقرب أجله, أرسل لجلال الدين ووصاه بأن يرعى زوجته وابنه محمود,وأن يذكره بخير, كما وصاه بأن يقاتل التتار بكل قوة ولا يصدق المنجمين.
ما أثر وصايا ممدود على السلطان جلال الدين وزوجة ممدود ؟
بكى جلال الدين كما بكت زوجة ممدود حزنا على مرضه وقرب موته.

موت ورجاء :
مات الأمير ممدود ولم يتم الثلاثين من عمره, وترك خلفه رضيع لم يتمتع برؤيته إلا أيام قلائل, فقد انشغل بحروبه ضد التتار مع ابن عمه وصهره جلال الدين, ولم يكن له من عزاء وهو يترك تلك الحياة إلا رجاؤه فيما أعد الله للشهداء المجاهدين في سبيله .
ما أثر موت ممدود على جلال الدين ؟
لقد أضعف موت الأمير ممدود في عزيمة جلال الدين وقوته, وذلك أنه فقد ركنا عظيما من أركان دولته, وأخا كان يعتز به ويثق في إخلاصه, كما كان وزيرا يعتمد على كفاءته وبطلا مغوارا يستند إلى شجاعته في حروبه. كما بكاه أشد البكاء وحفظ له الجميل في أهله .
كيف حفظ جلال الدين الجميل للأمير ممدود ؟
حفظ السلطان جلال الدين الجميل للأمير ممدود بأن رعاه في أهله وولده, وضمهما إلى رعايته واعتبر محمود كابنه يحبه ويدلله ولا يصبر على فراقه .
دلل على حب جلال الدين لمحمود بن ممدود .
اعتبره كابنه فكان يدلله, ولا يصبر على فراقه, بل كان يجذبه من أمه, إلى صدره وربما بال الطفل على ملابسه فلا يزيد إلا حبا وتعلقا به, وكان كلما عاد من قتال التتار أسرع إليه أولا فيحضنه ويقبله, ثم يذهب إلى ابنته التي لم يكن يصبر على فراقها.
نشأة محمود وجهاد في بيت السلطان جلال الدين :
نشأ الطفلان في بيت واحد, ترعاهما أمان ويعطف عليهما أب واحد, فكانا يحبوان معا في دهاليز القصر وبهوه, كما كان الخدم يخرجوا بهما لحديقة القصر في الصباح الباكر فيسران على العشب يتمرنان على المشي, وكان إذا سقطت جهاد أعانها محمود للقيام.
أمل وخوف
نظرت كلا من عائشة خاتون وجهان خاتون من شرفة القصر إلى محمود وجهاد وهما يتمرنان على المشي, وكلاهما يفكر هل يقدر لهما أن يشبا مع بعضهما البعض ويكن أحدها للآخر, أم أن تقلبات الأيام وفُجَاءات الدهر ستحول بين ذلك . فيأملان في أن يعيش الطفلين في أمان ويخافان من تقلبات الأيام.
ما سر الخوف من المستقبل ؟
سر هذا الخوف الذي ظهر على الأمين, بسبب ما حدث لهما على مر الأيام, فقد كان خوارزم شاه ملكا عظيما في أوج سلطانه وكان يهابه الجميع ويأتون إليه يقدون الولاء والطاعة, وكانت عساكره تملأ السهل والجبل, ولكن ذلك لم يمنع التتار من القضاء على ملكه وتمزيق دولته حتى تفرق عنه جنده ومات شريدا وحيدا في جزيرة نائية بعد الملك واعز والسلطان.
ما الذي يزيد من قلق الأمين ؟
الذي يزيد من خوف الأمين على مستقبل الطفلين أن جلال الدين قد انتصر على التتار في كل المعارك التي لقيهم فيها, حتى حرر كثيرا من بلاده منهم, وبلغ به الأمر إلى تحدي جنكيز خان, فيرسل له كتاب يسأله فيه عن مكان المعركة القادمة وزمانها.وقد شاهدة الأمين (خوارزم شاه ) وهو أقوى وأعظم من جلال الدين في الجند والهيبة وكل شيء ورغم ذلك انهزم أمام التتار.
هل يعني انتصار (جلال الدين) (لجنكيز خان) وتحديه انتهاء أمر التتار؟
بالطبع لا فقد كان والده خوارزم شاه أعظم من جلال الدين في الجند والهيبة والقوة وفي كل شيء, وقد استطاع الانتصار عليهم في معارك كثيرة,ولكنهم غلبوه بأعدادهم التي لا تحصى وكثرة الإمدادات وهجومهم كالسيل فهم كالجراد يقضى على الأخضر واليابس, والأمل ضعيف في أن يقوى جلال الدين على ما لم يقوى عليه أبوه وهو في عز مجده وقوته.
جيش الانتقام (هل تحققت مخاوف الأمين؟)
بالفعل مخاوف الأمين تحققت سريعا فقد أتت الأنباء أن (جنكيز خان) اشتد غضبه من تحدي جلال الدين له فكون جيشا أعظم من جيوشه السابقة وسماه جيش الانتقام, وقد جعل على رأسه أحد أبنائه, وجيش الانتقام انطلق كالسهم يدمر القرى ويخرب الأرض حتى وصلوا إلى (كابل).
وقد خرج لهم جلال الدين بكل ما يملك من جند, والتقى الجمعان واستمر القتال ثلاثة أيام بلياليهن, وكان جلال الدين يصرخ في جيشه " أيها المسلمون أبيدوا جيش الانتقام " وقد انتصر المسلمون على جيش الانتقام انتصارا كبيرا.
ويرجع الفضل في هذا الانتصار إلى أحد قواد جلال الدين يدعى (سيف الدين بغراق) حيث استطاع أن يخدع التتار, فلما اشتد القتال انفرد بفرقته وطلع خلف الجبل المطل على المعركة, ولم يشعر التتار إلا بهجوم فرقة سيف الدين بغراق ينحدر عليهم من فوق الجبل, فاختلفت صفوفهم فاستطاع المسلمون حصرهم والقضاء على خلق كثير منهم, وغنموا منهم مغانم عظيمة.
الانقسام والفرقة سبب هزيمة المسلمين :
بعد المعركة حدث ما لم يتوقعه أحد فقد اختلف سيف الدين بغراق مع جلال الدين حول الغنائم, مما أغضبه وقرر أن يذهب ومعه جنوده الذين وصل عدهم لأكثر من ثلاثين ألف من خيرة جيش المسلمين, وقد حاول جلال الدين مع سيف الدين بغراق أن يعود إلى الجيش ولكنه رفض وصمم على الرحيل مما اضعف المسلمين.
ودفع ذلك التتار لجمع صفوفهم وانتظار الإمدادات من (جنكيز خان) الذي غضب بشدة عندما علم بالهزيمة, فجمع جنوده وقادها بنفسه وأسرع لقتال جلال الدين الذي لم يستطع أن يثبت له ففر إلى غزنة فتحصن بها عدة أيام, ثم تركها ورحل إلى الهند.
فرار جلال الدين بأهله إلى الهند :
رأى جلال الدين أنه لن يستطيع أن يثبت للتتار, وخصوصا بعد الانقسام الذي حدث, فأسرع يجمع أمواله وذخائره, وحملها وأهله وحاشيته واتجه إلى إل الهند, وقد سار معه سبعة آلاف من خواص رجاله, وأثناء اتجاهه إلى سهل الهند لحقته طلائع التتار, فحاول دفعه عن أهله ولكن توالى الجموع عليه جعله يتراجع ويسرع إلى نهر السند ليحمل أهله ورجاله إلى الضفة الأخرى.
لم يستطع جلال الدين أن يعبر النهر إلى الضفة الأخرى وذلك أن التتار وصلوا إليه قبل أن يجد السفن اللازمة لنقله وأهله, فأسرع إلى حريمه وفيهم أمه وأخته وزوجته, فلما رأينه صحن به (لا ينبغي أن نقع في أيدي التتار.... بالله عليك اقتلنا بيدك وخلصنا من الأسر والعار...)
تنازعت جلال الدين عاطفتان في هذا الموقف. وضح .
لقد تحير جلال الدين فيما يفعل في حريمه, فهو يحبهم أشد الحب ففيهم أمه وأخته وزوجته وبنات أعمامه وبنات أخواله وكل نساء أهله, ولكنه في نفس الوقت لا يرضى أن يقعن سبايا في يد التتار المتوحشين, فأمر رجاله بإغراق أهله في النهر, خشية أن يقعن سبايا في يد عدوه الذي لن يرحمهن, وظل ينظر إليهن وهن يغرقن في النهر وعينه دامعة.
ماتت نساء جلال الدين غرقا بيديه, فماذا فعل بعد ذلك؟
لم يجد جلال الدين مفرا من خوض النهر سباحة فأسرع وألقى بنفسه في الماء وأمر رجاله بان يسبحوا إلى الضفة الأخرى قبل أن يقضي عليهم التتار, وبمجرد أن ابتعدوا عن الشاطئ قليلا وصلت طلائع التتار فأطلقوا عليهم السهام فكانت تنزل عليهم كالمطر وأصيب أكثر رجال جلال الدين في النهر من هذه السهام, ولولا سدول الليل لقضى التتار على كل من في النهر .
موقف جنكيز خان من فرار جلال الدين :
وقف جنكيز خان بين المشاعل المضيئة حوله أمام النهر يلوح بسيفه وضحك ضحكات علية وهو يقول " هاأنذا قضيت على خوارزم شاه وولده وشفيت غليلي وأخذت بثأري " ثم أمر رجاله فعادوا من حيث أتوا.
عبور جلال الدين ورجاله إلى الضفة الأخرى من النهر :
قضى رجال جلال الدين أكثر الليل وهم يغالبون الموج ويتنادون بأسمائهم فيتعارفون بذلك, ويساعدون من يشعر بالتعب من السبحة حتى تعود له قوته, ويتواصون بالصبر, وصوت جلال الدين أمامهم يحثهم على الصبر, فلما توقف الصوت ولم يسمعوه ظن بعضهم أن السلطان غرق ومات, فاستسلم كثير منهم للموج فغرق بعضهم وقالوا لبعضهم إن كان السلطان قد مات فلما البقاء.
أحد رجال الدين ينقذ القوم من الموت :
أسرع أحد رجال جلال الدين يقلد صوته ويحثهم على الصبر ويفعل كما يفعل جلال الدين, فرجع من عزم على الاستسلام للموت عن عزمه, وجاهدوا الموج حتى وصلوا إلى الضفة الأخرى من النهر.
خروج رجال جلال الدين إلى ضفة النهر :
خرج رجال جلال الدين إلى النهر فمنهم من ألقى بنفسه على الأرض من شدة التعب, وآخرون بقيت لديهم بعض القوة فكان يساعد الآخرون على الخروج من الماء, واستمر هذا العمل إلى الثلث الأخير من الليل, ولما لم يتبق أحد من الناجين وضعوا رءوسهم على الأرض فغرقوا في سبات عميق, ولم توقظهم إلا حرارة الشمس الحارقة .
ما المشكلة التي وقع فيها رجال جلال الدين ؟وما الرأي الذي اجتمعوا عليه ؟
لما قام رجال جلال الدين من نومهم لم يجدوا السلطان ففزعوا فزعا شديدا, فأخبرهم الرجل الذي قلد صوته بما حدث في النهر, وأوصاهم بأن يبقوا في مكانهم ويأكلوا ما يجدونه من أوراق الشجر وثماره وصيد البحر والبر, فلعل السلطان سبقهم مع بعض رجاله إلى الضفة من مكان آخر, واتفقوا على أن يبقوا مكانهم حتى يأتيهم السلطان أو أن تعود لهم قوتهم فيمشوا إلى القرى المجاورة ليحصلوا على الطعام والملبس اللازم لهم بالمعروف وإلا فبالقوة.
كيف عثر رجال جلال الدين عليه ؟ وبم أمرهم ؟
بعد ثالثة أيام من البحث وجد الرجال السلطان قد رماه الموج مع ثلاثة من أصحابه في موضع بعيد من الضفة, فلما عاد إليهم فرحوا بنجاته, ثم أمرهم بأن يأخذوا لهم أسلحة من العصي من الشجر, ثم مشى بهم إلى القرى القريبة منهم, فقامت بينه وبين أهل هذه القرى معارك كبيرة انتصر فيها عليهم, واستلب أسلحتهم وأطعمتهم ووزعها على رجاله فطعموا وأمنوا, ثم انطلق إلى (لاهور) فاستطاع أن يملكها فاستقر بها
بناء المملكة الجيدة لجلال الدين :
بعد الانتصار على أهل القرى المجاورة التي نزل إليها جلال الدين دلف إلى لاهور وملكها واستقر فيها وجعلها قاعدة ملكه, وبنا حولها القلاع وحصنها تحصينا جيدا خشية هجوم أهل البلاد عليه.
ذكريات الماضي تجعله يصمم على قتال التتار والانتقام منهم :
لعدما اطمأن جلال الدين في مملكته الجديدة بلاهور في الهند, خلا إلى نفسه وتذكر الماضي بما فيه من أحداث, وتذكر ماضي والده البعيد, وماضيه القريب...
فأما الماضي البعيد الذي تذكره, فقد تذكر والده ( خوارزم شاه ) وغزواته وفتوحاته وانتصاراته, وتوسع ملكه حتى وصل من (فرعانة) إلى أبواب الهند, وتذكر كيف كان ملوك الأرض تخشاه وتركع أمامه طلبا لرضاه, وكانت تأتيه الأموال والهدايا من كل مكان, وتذكر كيف قاتل التتار وجاهدهم وصمد أمامهم ومنعهم من الانقضاض على بلاد المسلمين, وظل يقاتلهم حتى انتهى به الأمر في جزيرة في بحر (طبرستان) فمات شريدا بعيدا عن أهله وأحبابه.
وأما الماضي القريب فهو ما وقع له من أحداث نطوى بها ملكه ودمرت بلاده, وتذكر كيف تشتت شمله واختطف ابنه الوحيد وولي عهده (بدر الدين) فحُمل إلى طاغية التتار الذي قتله كالشاه رغم أنه لم يبلغ عامه الثامن, وتذكر كيف عاش حتى رأى أمه وأخته وزوجته وكل نساء أهله يغرقن في النهر بأمره وتحت بصره, ثم تذكر اختفاء محمود وجهاد, فظن أنهما غرقا مع من غرق من النساء في النهر, أو أن أماهما أشفقتا عليهما من الموت فتركتاهما ( محمود وجهاد) في العراء خشية موتهما في النهر.
جلال الدين يعيش وحيدا ويصمم على القتال :
عاش جلال الدين في لاهور وحيدا بعد فقده لملكه وموت نسائه وأحبته بأمره في النهر, وشعر بان هذه الرقعة الصغيرة التي ملكها في الهند مجرد سجن له نفي إليه بعد زوال ملكه وملك آبائه, وفقده لأهله وأحبائه, ولكنه تذكر أن السبب في هذه النكبة التي حلت عليه وعلى أسرته هم التتار فقرر أن يعيش من أجل حربهم والقضاء عليهم, ولم يبقى له في هذه الدنيا إلا هذه الأمنية


(منقول مع الشكر الجزيل للكاتب)

ليست هناك تعليقات: