الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

نصوص 2-ث-ابن الرومي

رثاء لابن الرومي
التعريف بالشاعر :
هو أبو الحسن على بن العباس بن جريج الرومي ولد في بغداد سنة 221هـ (835م) وعاش بها طول حياته, أبوه من أصل رومي وأمه من أصل فارسي ، وثقافته عربية إسلامية ، وقد اشتهر بالتشاؤم والقلق النفسي والشك في الناس ، وقيل أنه توفى سنة 284هـ 897م متأثرا بالسم الذي دسه له القاسم بن عبد الله وزير المعتز عندما خاف أن يهجوه . ويعد ابن الرومي من أعظم شعراء العصر العباسي قدرة على التعبير عن النفس الإنسانية .
جو النص :
النص من فن الرثاء, وهو من أقدم الأغراض الشعرية العربية, ومعظمةه رثاء ذاتي,
وقد صُدِمَ الشاعر بفقد ولده بعد أن اختطفه الموت بعد صراع المرض، فاشتد حزنه ودمعه أسفاً وحسرة عليه، فأبدعَ هذه القصيدة تعبيراً عن أحزانه التي لا تنتهي .
أولا: موت وبكاء وضياع للآمال "
1 - بُكاؤكما يشْفي وإنْ كانَ لايُجـدِي *** فَجُودا ، فقدْ أوْدَى نظيرُكما عندي
2 - توخَّى حِمامُ الموتِ أوْسطَ صِبيَتَي *** فللهِ كيف اختارَ واسِطةَ العِقْدِ ؟!!
3 - طَواهُ الردَى عنِّي فأضْحَى مزارُه *** بعيداً على قُرْبٍ قريباً على بُعْدِ !!
4 - لقدْ أنْجـَزتْ فيهِ المنايا وعيدَها *** وأخْـلَفتِ الآمالُ ما كان مِن وعْدِ
اللغويات :
(1) بُكاؤكما: الشاعر يخاطب عينيه - يشفِي : يُريح ويخفف × يمرض - لا يُجدِي : لا يُفيد ولا ينفع في رد الميت ، يُجدِي × يضر - جُودا : ابكيا بغزير الدمع × ابخلا - أوْدَى : مات - نظيرُكما: مثيلكما في المكانة ج نُظَراء .
(2) توخَّى : قصد، أصاب وعمد- حِمَامُ الموتِ : قضاؤه ومصيبته- صبيتي : أبنائي الصغار
م صبى و المؤنث : صبية ج صَبايا- لله : أسلوب تعجب - واسِطة العِقدِ : الجوهرة الكبيرة التي تتوسط العقد ج وسائط، والمقصود : الابن الأوسط .
(3) طَواه : أماته وأخفاه × أحياه ، أظهره ، نشره - الردَى : الموت - أضْحى : صار وأصبح - مَزارُه : مكان زيارته في قبره و المقصود : لقاؤه - بعيداً على قرْبٍ : لأنه في الآخرة مع أن قبره قريب - قريباً على بُعْدِ : مكان قبره قريب ولكن الابن بعيداً ؛ لأنه في العالم الآخر .
(4) لقد : أداتا توكيد أنجزتْ : حققت وأتمت × أخلفت - المَنايا : م مَنيَّة وهى الموت - وعِيدَها : تهديدها - أخْلفتْ : لم تحقق ، لم تفِ بوعودها.
الشرح :
يخاطب الشاعر عينيه فيقول ابكيا بغزارة على ولدي الفقيد الذي كان في مثل مكانتكما عندي, فإن هذا البكاء رغم أنه يريح قلبي ولكنه لا ينفع في رده إلى الحياة مرة أخرى.
لقد اختار الموت أوسط أبنائي وأكثرهم قربا مني, فكيف كان هذا الاختيار ألم يعلم أنه مثل جوهرة العقد التي بدونها لا قيمة لهذا العقد.
لقد طواه الموت في ظلمات القبر فأصبح بعيدا عنا رغم قرب قبره منا.
وبموت ابني فقد ضاعت كل آمالي في شفائه, وحقق الموت تهديده ووعيده.
العاطفة : تسيطر على الأبيات مشاعر الحزن والأسى واللوعة بفقد الابن .
الألفاظ :
جاءت معبرة عن العاطفة ويتضح ذلك من خلال
(يشفي) توحي بأثر الدمع في تخفيف الحزن (لا يجدي) توحي بشدة المصيبة (أودي) توحي باليأس وفقدان الأمل (توخي) توحي بقدرة الموت على اختيار الأفضل (لله) توحي بالتعجب
والحسرة والألم (المنايا) جمعا لتدل على هول المنايا ومحاصرتها للابن.


أولا:الأساليب الإنشائية :
(جودا) أمر للتمني والتحسر.
(فلله) تعجب للتحسر (إنشائي غير طلبي)
(كيف اختار) استفهام للتعجب
ثانيا الأساليب الخبرية : بقية الأساليب خبرية لتقرير الحزن والأسى.
ثالثا أساليب التوكيد (لقد أنجزت فيه المنايا وعيده أسلوب مؤكد بوسيلتين هما(اللام- وق)
المحسنات البديعية :
الجناس (أوسط - واسطة) (وعيدَها - وعد)
التصريع (يجدي - عندي) دائما بين شطري البيت الأول
الطباق (يشفي – لا يجدي)
حسن التقسيم (بعيدا على قرب - قريبا على بعد)
المقابلة (بعيدا على قرب- قريبا على بعد)
أنْجزتْ فيهِ المنايا وعيدَها- وأخلفتِ الآمالُ ما كان مِن وعْدِ
الألوان البيانية والتصوير:
(بكاؤكما) استعارة مكنية ، فقد شبَّه عينيه بشخصَين يخاطبهما )التشخيص)
(يشفى) كناية عن الراحة مع الدموع ؛ لأنَّها تُطفئ نار الحزن؛ ولذلك تشتد اللوعة عندما تتحجر العين ولا تدمع .
(بكاؤكما يشفى (استعارة مكنية، فقد شبه البكاء بالدواء الشافي للألم والحزن (للتجسيم)
(جودَا) استعارة مكنية، حيث صور عينيه شخصين يأمرهما بالبكاء وهى امتداد للصورة السابقة
(أودَى نظيرُكُما عندي) تشبيه بليغ فقد صور ابنه بعينيه في منزلته عنده، (للتوضيح)
(توخَّى حمامُ الموتِ أوسطَ صبيتي) استعارة مكنية، تُصور الموت إنسانًا شريراً يختار ضحاياه (للتشخيص) ، وتوحي بقسوة الموت .
(واسطة العقدِ) استعارة تصريحية، فقد شبه ابنه الأوسط بالجوهرة الثمينة التي تتوسط العِقد ( توضيح)
(طواه الردَى) استعارة مكنية، فقد شبه الموت بإنسان يطوي(للتشخيص) وتوحي بقسوة الموت
(لقد أنجزتْ فيهِ المنايا وعيدَها) استعارة مكنية صور المنايا شخصًا ينفذ تهديده، (التشخيص)، وتوحي بغيظ الشاعر من المنايا وكرهه الشديد لها .
(المنايا أخلفت الآمالُ) استعارة مكنية، صور الآمال بإنسان يخلف الوعد،(للتشخيص) و توحي باليأس
"ثانيا: المرض يفترس الابن ، والحزن يستبد بالأب "
5 - ألح عليه النزف حتى أحـاله *** إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
6 - فيا لك من نفس تساقط أنفسا *** تساقط در من نظام بلا عقــــد
7 - ألام لما أبدي عليك من الأسى *** وإني لأخفي منك أضـعاف ما أبدي
اللغويات :
(5) ألحَّ : استمر ودام - النزْفُ : سيل الدم وخروجه بغزارة - أحالَه : حوله وغيَّره × أثبته - الجادىّ : الزعفران وهو نبات له زهر أصفر .
(6) يالكِ : أسلوب تعجب للحسرة - نفْس : رُوح ج نفوس، أنفس - تساقَط : تتساقَط وحُذفتِ
التاء الأولى تخفيفاً - درّ : لُؤلؤ م درة - نِظام : خيط توضع فيه حبات اللؤلؤ ج نظم أنظمة –
عَقْد : عقدة تمنعه من الانفراط .
(7) أُلامُ : أُعاتَب × أمجد - أُبدى : أُظهر × أخفي - الأسَى : الحزن × الفرح - أضْعاف : أمثال م ضِعْف .
الشرح :
ويصف الشاعر حالة ابنه وصراعه مع المرض, فلقد انقض عليه المرض فغير من الحمرة والنضارة والنشاط إلى الصفرة والذبول والضعف.
فيا لعجبي لقد ظل يقوم المرض والموت حتى سقط صريعا بين يدي الموت وتساقطت نفسه أمامه كأنها حبات لؤلؤ تتساقط من خيط غير معقود.
ويلومني الناس لما أظهره من حزن وأسى على فراقك, وما يدرون أني أخفي عنهم من الحزن واللوعة أضعاف ما يظهر لهم.
الألفاظ :
(ألحَّ) توحي بالاستمرار والقسوة (صفرة) توحي بالذبول والضعف (حمرة) توحي بالحيوية والنشاط (تساقط أنفساً) توحي بشدة التمزق والمعاناة النفسية الهائلة(أُلامُ) فعل مبنى للمجهول للدلالة على كثرة اللائمين وعدم اهتمامه بهم .
الأساليب : معظمها خبري لتقرير الحزن والأسى ووصف حالة ابنه.
(فيالك من نفس) أسلوب إنشائي للتعجب والتحسر
(إنىِّ لأُخفِى ( أسلوب مؤكد بوسيلتين هما (إن – واللام).
(وإنِّى لأُخفي منكَ أضعافَ ما أُبدي..) إيجاز بحذف المفعول به؛ يفيد العموم وللمحافظة على القافية (حرف الدال المكسور) وأصلها (أبديه عليك من الحزنِ).
المحسنات البديعية :
(أُخفِى - وأُبدِى) (صفرة الجادي – حمرة الورد) طباق
(تساقط - تساقط) جناس ناقص (الأولى فعل والثانية مفعول مطلق)
الصور الخيالية :
(ألح عليه النزف) استعارة مكنية فقد صور النزف إنسان يلح (للتشخيص)
(أحاله إلىِ صُفرةِ الجادي عن حُمرةِ الورِد) تشبيه تمثيلي فقد صور الابن في نشاطه وحيويته قبل مرضه بالورد في نضارته وحمرته (للتوضيح)
(أحاله إلىِ صُفرةِ الجادي) تشبيه تمثيلي للابن في ضعفه بعد المرض بالجادي في صفرته وذبوله (للتوضيح)
(نفس تساقَطُ أنفساً تساقُطَ درٍّ من نظام بلا عقد) : تشبيه تمثيلي لنفس الابن التي فارقت جسده على مراحل ، بالعقد الذي انفرط خيطه ، فتساقطت حباته حبة بعد أخرى ، وسر جماله التجسيم والتوضيح.
"ثالثا: مناجاة الشاعر لابنه ، واستحالة العزاء عنه"
8 - محمد ما شيء توهم ســلوة *** لقلبي إلا زاد قلبي من الوجـــد
9 - أرى أخـويْكَ البـاقيين كليهما *** يكونانِ للأحـزانِ أورَى من الزنْدِ
10- إذا لَعـِبا في ملعبٍ لكَ لذَّعــا *** فؤادِي بمثلِ النارِ من غيرِ ما قصْدِ
11- وأنتَ وإنْ أُفردتَ في دارِ وحْشةٍ *** فإني بدارِ الأنسِ في وحْشةِ الفـرْدِ
اللغويات :
مُحمَّد: ابنه يناديه- تُوهِّم: ظُنَّ- سَلْوة : عزاء ، صبر- الوْجدُ: شدة الحزن واللوعة × سرور- أورَى: أكثر إشتعالاً × أخمد- الزَّندُ: حديدة تضرب بحجر صلب فتنقدح النار ج زِناد، أَزْنُد، أَزْناد- لذَّعا: أوجعا, احرقا - فؤادي: قلبي ج أفئدة - قصد : تعمُّد × صدفة - أُفردتَ: تركت وحيدا في قبرك - دارُ وحْشةٍ: أرض خالية موحشة والمراد : القبر - دارُ الأُنْسِ : أي الدنيا التي يأنس بها الناس - الفرد : الوحيد .
الشرح :
ويناجي الشاعر ابنه فيقول يا محمد لم أجرب شيئا ظنه الناس يخفف حزني ولوعي عليك إلا وزادني عليك حزنا وأسى.
وكلما رأيت أخويك الباقيين اشتعل قلبي بالحزن عليك, وعندما يلعبان في مكان كنت تلعب أنت فيه يشعلا النار في قلبي دون قصد منهما.
ولا تظن أنك وحدك الوحيد الذي لا يجد من يؤنسه, فإن كنت وحيدا في قبرك فأنا وحيد مثلك في دنياي رغم كل من حولي من الناس.

الألفاظ :
(تُوُهِّم) الفعل يدل على خطأ هذا الوهم، وبناؤه للمجهول يدل على عدم اهتمامه بهؤلاء الواهمي (الوجد) توحي بشدة حزنه على ابنه (أورى) تدل على شدة اللهب في القلب (لذَّعَا): تشديد (لذَّعَا) يدل على كثرة الآلام وقسوة المعاناة. (فؤادي) الإضافة للتخصيص .
الأساليب : جاءت معظمها خبرية لتقرير الحزن والأسى .
(محمد) : إنشائي نداء غرضه التحسر ، وحذفت أداته للدلالة على قربه من نفسه.
أساليب التوكيد :
(ما شيءٌ توهمَ سلوةً إلا زادَ قلبي من الوجد) : أسلوب قصر وسيلته النفي (ما) والاستثناء (إلا) وهو يفيد التوكيد وتخصيص الحكم.
(أرى أخويْكَ الباقيَينِ كِليْهما): أسلوب خبري يفيد التجدد باستخدام المضارع (أرى) وفيه توكيد معنوي بـ (كليهما)، ليدل على أنهما معا لا يكفيان للعزاء بل يزيدان في الحزن .
(فإني بدارِ الأنسِ في وحْشةِ الفـرْدِ) مؤكد ب(إن) لتأكيد المساواة بين الأب الحي والابن الميت في الشعور بالوحشة والانفراد .
المحسنات البديعية :
(وحشة - الأنس) (سلوة الحزن) : طباق
أفردت – الفرد) جناس ناقص (فعل / اسم)
الصور الخيالية :
(زاد الوجد) استعارة مكنية فقد شبه الوجد بأنه شيء مادي يزداد (للتجسيم)
(يكونان للأحزانِ أورَى من الزنْدِ) تشبيه لابنيه الباقيين في إثارة الأحزان بالزند في إشعال النار ( التوضيح)
(لذَعَا فؤادي بمثِل النِار) تشبيه للحزن الذي يؤلم فؤاده عند رؤية أخويه بالنار المحرقة,للتجسم
(دار وحْشَةٍ) : كناية عن القبر . (دار الأنسِ) : كناية عن الدنيا و الحياة .


التعليق :
غرض النص الرثاء وهو من الأغراض الشعرية القديمة التي تتميز بصدق العاطفة و رقة الإحساس و البعد عن التهويل الكاذب ، كما يتجلى فيه التحلي بروح الصبر و الجَلَد
- أنواعه : رثاء ذاتي- رثاء قبلي-رثاء قومي وأشهر شعراؤه : الخنساء في رثاء أخيها صخر
القصيدة من الرثاء الذاتي؛ لأن الشاعر يرثي فيها ابنه، ويصور التجربة المريرة التي مر بها وعانى ويلاتها . ويظهر فيها جانب الوصف عندما بدأ يصف مرض ابنه وتغير حاله من المشاط للمرض ومن الحمرة إلى الصفرة, ثم وصف خروج روحه وصراعه مع الموت.
*الموسيقى الظاهرة :
تتمثل في وحدة الوزن ، ووحدة القافية و بعض المحسنات المتمثلة في التصريع في مطلع القصيدة - الجناس الناقص في الأبيات الثاني و الرابع والتاسع- حسن التقسيم في البيت الثالث .
*الموسيقى الخفية :
فنابعة من عمق فكرته - صدق عاطفته - حسن اختياره لألفاظه - روعة صوره وأخيلته .
*الخصائص الفنية لأسلوب ابن الرومي
(1) سهولة الألفاظ وإحكام الصياغة وعدم التكلف في المحسنات .
(2) وضوح الأفكار وترابط المعاني . (3) روعة التصوير ودقة الوصف .
(4) القدرة على الإيحاء والتأثير . (5) التنوع بين الخبر والإنشاء .



* أثر البيئة في الأبيات :
1- التحلي بالعقود ووضع أكبر جواهرها في الوسط.
2- استخدام الزند في إشعال النار.
3- انتشار نباتات الزعفران والورد في البيئة التي يعيش فيها الشاعر
*ملامح شخصية أبن الرومي :
1- أب مكلوم بموت ابنه.
2- شاعر بارع فذ متمكن من اللغة يستخدمها بما يفيد غرضه.
3- متشائم لدرجة كبيرة كانت سببا في موته.
**************************************************
مع أطيب المنى

ليست هناك تعليقات: