الثلاثاء، 9 مارس 2010

مناجاة في الغربة -ابن زيدون

مناجاة من الغربة لابن زيدون
التعريف بالشاعر :
أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون الأندلسي ولد (394هـ / 1003م) كان كاتب وشاعر ووزير" ابن جَهْوَر " ملك قرطبة، أوقع الوشاة بينهما. فحبسه ابن جهور ، فاستعطفه ابن زيدون برسائل عجيبة فلم يعطف عليه .
فهرب من سجنه إلى المُعْتَضِد بن عَبَّاد صاحب إشبيلية فولاّه وزارته وعاش هناك إلى أن مات, و قد لقبه بعض الكتاب بـ " بحتري المغرب؛ لصفاء لفظه وعذوبة شعره .
جو النص :
العيد فرحة كل غريب وقريب, يعود الغريب ليقضى أيام العيد بين أهله وأحبته في سعادة وسرور, ولكن الشاعر في هذه القصيدة لما تى عليه العيد وجد نفسه غريبا وحيدا في بلاد بعيدة عن أهله وأحبته وأصحابه فأنشد قصيدته يعبر عن همومه التي يأتي بها العيد كل عام.
غربة وحنين
1 - هَلْ تذكُرونَ غريباً عادَهُ شَـجَنُ مِنْ ذِكْرِكُمْ و جفَا أجْفانَه الوَسَنُ ؟
2 - يُخْفي لواعِجَهُ والشَّوقُ يَفْضَحُهُ فقـدْ تسـاوَى لدَيْه السِّرُّ والعَلَنُ
3 - يا وَيلَتاهُ ، أيبْـقَى في جوانِحِه فـؤادُه وهُو بالأطْلالِ مُرْتَهَنُ ؟
اللغويات :
غريباً : المغترب البعيد عن وطنه، والمقصود: نفسه التي اغتربت بغير إرادتها ج غرباء - عادَه : جاءه و زاره مرة بعد مرة- شجَن : حُزن، همّ ج أشجان، شجون × سرور- جَفا: خاصم وبعُد وقاطع × أقبل- أجْفانه: أي عيونه م جفن- الوسَن: أول النوم وبدايته× اليقظة- لواعِجه: المراد أشواقه م لاعِج وهو الحب المحرق- يفضحُه: يكشف حبه × يستره- لديه: عنده أي الشاعر- العلَن: الجهْر- يا ويْلتاهُ: يا ويْلتي ويا حسرتي، يا: حرف ندبة- جوانِحه: أضْلاعه م جانحة والمراد صدره وقلبه- فؤاده: قلبه ج أفئدة- الأطلاْل: آثار الديار بعد تهدمها ورحيل أهلها م طَلَل، والمراد هنا ما بقى للشاعر من ذكريات وطنه وأهله- مرتَهَن: مرهون وأسير والمقصود : متعلق بالذكريات .
الشرح :
ينادي الشاعر على أهله وأحبته في بلاده البعيدة عنه فيقول.....
يا أهلي وأحبتي يا أصدقائي, هل تذكرون ذلك الغريب الذي لازمه الحزن والهم كلما أتى عليه العيد بسبب ذكره الدائم لكم حتى خاصم النوم عينيه.
لقد اجتهدت أن أخفي شوقي وحنيني إليكم عن الناس ولكني لم أستطع, فشوقي إليكم يفضحني, حتى تساوى السر والعلن فأصبح الناس يعلمون ما أخفي من شوقي وحبي لكم.
ويتحسر الشاعر على نفسه التي لم تعد تعرف الفرحة والأمان, ويقول كيف يستطيع قلبي الفرحة والشعور بالأمان وهو بعيد عن أهله وأحبته, ومتعلق بهم؟
العاطفة : الحزن والأسى والشوق والحنين.
الألفاظ والتعبير :
(غريبًا) توحي بالألم والمعاناة التي يعيشها (عاده) توحي بتتابع الحزن كلما أتى العيد
(مِنْ ذِكْرِكُمِ) تعليل لسبب عودة الحزن وتوحي بدوام تذكره لهم .
(يُخِفي لواعِجَه) يدل على الصبر وقوة الاحتمال و عزة النفس.
(لواعجه) جمع؛ ليدل على كثرة الأشواق ومدى ما يعانيه الشاعر من حرقة
(الشوق يفضحه) توحي بقوة الشوق وسيطرته عليه فلم يستطع إخفاءه عن عيون الناس.
(فقد تساوى) تعليل لما قبلها (مُرتَهنٌ) توحي بشدة تعلقه بأهله و بوطنه .
الأساليب الإنشائية :
(هل تذكُرونَ غريبًا عادَه شجَنُ ؟) استفهام غرضه التمني .
(يَا وَيْلتَاهُ) ندبة يدل على الحسرة والألم .
(أيَبْقَى في ..؟) استفهام للتعجب والتحسر والاستبعاد .
الأساليب الخبرية : بقية الأساليب خبرية لتقرير الحنين والشوق والحزن.
أساليب التوكيد :
جفا أجفانه الوسن أسلوب قصر بتقديم المفعول به(أجفانه) على الفاعل (الوسن)
فقد تساوى أسلوب مؤكد بقد.
(وهو بالأطْلالِ مُرتَهنٌ) أسلوب قصر بتقديم الجار و المجرور (بالأطْلالِ)على خبر هو (مُرتَهنٌ)
(أيبْـقَى في جوانِحِه فـؤادُه) أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور على الفاعل(فؤاده)
المحسنات البديعية :
الطباق (يُخْفي – ويفضَحُه) (السرِّ – والعلنِ)
الجناس (جَفَا – أجفان)
التصريع (شجن – الوسن ) في البيت الأول
حسن التقسم (يخفي لواعجه والشوق يفضحه)
الألوان والتصوير :
(عاده شَجَنٌ) استعارة مكنية صور الشجن بإنسان يزوره (التشخيص) .
(جَفَا أجْفَانَه الوَسَنُ) استعارة مكنية حيث صور الوسن بإنسان يهجر عيونه (لتشخيص)
(أجْفَانه) مجاز مرسل عن العين علاقته الجزئية.
(يُخِفي لواعِجَه) استعارة مكنية صور أشواقه بشيء مادي يمكن إخفاءه (للتجسيم)
(الشَّوقُ يفضَحُه) استعارة مكنية فقد صور الشوق بإنسان يفضحه (للتشخيص) .
(فؤاده بالأطْلالِ مُرتَهنٌ) استعارة مكنية فيها تصوير للفؤاد بالأسير المقيد بالأطلال(للتشخيص) (الأطْلالِ) استعارة تصريحية حيث صور باقيا ذكرياته عن أهله ووطنه بالأطلال (للتجسيم)
(الجوانح) مجاز مرسل عن الصدر علاقته الجزئية .
حمامة تشارك الشاعر أحزانه
4 - وأرَّق العينَ والظلماءُ عـاكفةٌ ورقـاءُ قد شفَّها إذْ شفَّني حـزَنُ
5 - فبتُّ أشكو وتشكو فوق أيكتِها و باتَ يهفُو ارتياحًا بيننَا الغُصنُ
اللغويات :
أرَّق العينَ: سهّدها ومنع عنها النوم- الظلْماء: الظلام- عاكِفة: مقيمة حوله في المكان وملازمة- ورْقاء: حمامة ج وُرْق- شفَّها : نحلها وأضعفها- إذْ: حين- حَزَن: حزن وغم- بتُّ: قضيت الليل- أيْكتها: الشجر الكثيف الملتف ج "أيْك"- يهفُو: يتمايل × يسكن- ارتياحاً : نشاطاً .

الشرح :
وفي ظلمات الليل وأنا يفكر في أهلي وأحبتي رأيت مشهدا أتعبني وزادني حزنا على حزني, فقد رأيت حمامة فوق الشجر تبكي فراق أليفها.
فقضينا الليلة نبكي على أحبتنا ونتشارك الحزن والألم, وبيننا ذلك الغصن عديم الإحساس يتمايل فرحا وسعادة لأنه لا يشعر كما نشعر.
ما علاقة الثاني بالأول؟
- البيت الثاني نتيجة للبيت الأول.
نقد على الشاعر البيت الخامس :
قال أن الغصن يهفو ارتياحاً، وهذا لا يلائم الجو النفسي للقصيدة فالجو العام حزن ثم أتى بفرح الغصن . ونرد عليهم بأن الشاعر لم يخطئ لأن الغصن جماد لا قلب له .
الألفاظ :
(الظلماء) توحي بالحزن ، (بت) توحي بكثرة الهموم ، (عاكفة) توحي باليأس الشديد. (حزن ) نكرة لإفادة التهويل وللشمول .
الأساليب : جاءت خبرية لتقرير الحزن والألم.
قد شفها إذ شفني حزن : أسلوب مؤكد بقد .
المحسنات البديعية :
جناسُ ناقِصُ (أرَّق – ورْقَاء) طباق (أشْكُو – وارتياحا)
الإطناب بالاعتراض :(إذْ شفَّني) يفيد توكيد مشاركة الحمامة للشاعر في البكاء والحزن.
(والظلماءُ عاكفةٌ) تفيد نوكيد ظلمة الحياة بعيدا عن الأهل والأحبة
الالتفات وهو الانتقال من ضمير الغائب في (عاده - أجفانه – يفضحه) إلي ضمير المتكلم في ( شفني) التفات غرضه تحريك الذهن .
الألوان والخيال :
(قَدْ شفَّها حَزَنٌ): استعارة مكنية حيث صور الحمامة بإنسان أضعفه الحزن (التشخيص).
(تشكُو فَوَق أيكَتِها) استعارة مكنية فقد صور للحمامة بإنسان يشكو (التشخيص)
(يَهفُو الغصنُ ارتياحًا) استعارة مكنية تصور الغصن إنسانًا يهتَز ارتياحًا وفرحاً (التشخيص) .


عهد ووفاء
6 - يَا هَـلْ أُجـالِسُ أقوامًا أُحِبُّهم كُنَّا وكَانوا علىَ عَهْدٍ فقَدْ ظَعنُوا ؟
7 - أو تَحْفظُون عهُودًا لا أُضَيِّعُها إنَّ الكـرامَ بِحفـظِ العَهْدِ تُمْتَحنُ
اللغويات :
يا: أداة نداء للتنبيه- أُجالس أقواما: أجلس معهم وألقاهم- عهْد: ميثاق ج عهود- ظعنوا: رحلوا، والمراد: افترقنا× أقاموا، عادوا- لا أضيِّعها: لا أنقضها- حفظ : صيانة × تفريط - العُهود: المواثيق- تُمتحَن: تُختبَر .
الشرح :
وكم أتمنى أن أعود إلى قومي الذي أحبهم ويحبونني,فقد كان بيننا عهودا ومواثيق على الود والمحبة, ثم يطلب منهم الشاعر أن يتذكروا هذه العهود ويحافظوا عليها كما يحافظ هو عليه, فالكرام يعرفون بحفظ العهد.
العاطفة : الحزن والأمل في اللقاء
الألفاظ :
(يا) حرف للتنبيه (أقوامًا) جمعاً لتدل على كثرة من يحبهم الشاعر و نكرة لتشمل أهله وأحبابه وأصدقاءه وجيرانه (تحفظُون - لا أضِّيع – تُمتحن) أفعال مضارعة تفيد التجدد والاستمرار (عهد) : نكرة للتعظيم .
الأساليب الإنشائية :
البيت الأول نداء حذف منه المنادى (أحبتي وأهلي) لقربه منه غرضه التمني.
البيت الثاني خبري غرضه تقرير حكمة وهي أن الكريم يعرف بالوفاء بالعهد.
إن الكرام بحفظ العهد تمتحن : أسلوب مؤكد بإن
المحسنات البديعية :
(إنَّ الكـرامَ بِحفـظِ العَهْدِ تُمْتَحنُ) إطناب بالتذييل وهي حكمة وقيمتها تأكيد المعنى.
(تحفظُون - لا أضِّيع) إطناب بالترادف يؤكد المعنى .
(الالتفات) وهو التغيير من ضمير الغائب "أحبهم" إلى المخاطب "تحفظون" غرضه تحريك الذهن
الخيال والتصوير :
هل أجالس أقواما أحبهم : كناية عن الرغبة في اللقاء العودة للماضي السعيد.
تحفظون عهودا تشبيه للعهد بشيء مادي يحفظ (للتجسيم)


عيد وشعور مرير بالحزن
8 - إن كانَ عادَكُمُ عيدٌ فَرُبَّ فتًى بالشَّوْقِ قد عادَهُ من ذِكْرِكُمْ حزَنُ
9 - وأَفْرَدتْه اللَّيـالِي مـن أَحِبَّته فبـاتَ يُنْشِدُها مما جـنى الزَّمَنُ
10 - بِمَ التَّعلُّل؟ لا أهلٌ ولا وطـنٌ ولا نَديمٌ، ولا كـأسٌ، ولا سَكـنُ
اللغويات :
عادكم عيدٌ: جاءكم عيد بالسرور- رُبَّ : حرف جر للتقليل أو التكثير وهو هنا للكثرة- فتىً: شاب ج فتيان وفتية ويريد نفسه- أفردتْه : أبعدته وجعلته وحيداً- باتَ يُنشدها: ظل ساهراً يُنشد الليالي- الإنشادُ: إلقاء الشعر- مما جنى الزمنُ : مما جناه الزمان على الشاعر من هجر وفراق، وقد تكون (جنَى) بمعنى جرَّ وارتكب الجناية أو أن تكون جنى بمعنى جمع الثمرة- بِم َ؟: بأي شيء- التَّعلُّل: التسلي والتصبُّر و التشاغل- نديمٌ: رفيق وسمير ج نُدَّام ، ونُدماء- الكأسُ: القدح والكوب المملوء وهى مؤنثة ج كئوس وأكْؤس وكِئاس- سكَن: مسكن وكل ما يسكن إليه الإنسان من أهل ومال وغيرهما والمراد الزوجة أو الحبيبة .
الشرح :
لقد جاء العيد عليكم وعليّ, ولكن شتان بين العيد عندي وعندكم, فأنتم تفرحون وتسعدون بقدوم العيد, أما أنا فالعيد يأتيني بالهموم والأحزان.
لقد أصبحت وحيدا في بلاد غريبة, وحرمتني الليالي أحبتي وأهلي, فأصبحت أنشدها مما جمع الزمان من أقوال الشعراء في الشوق والحزن.
ومن هذه الأشعار قول المتنبي..... بأي شيء أتصبر وأشغل نفسي في غربتي, فلقد أصبحت
وحيدا شريدا بلا أهل ولا وطن ولا صاحب ولا قريب ولا حتى زوجة أو سكن.
العاطفة : الهم والحزن واليأس من الحياة .
الألفاظ :
* [لا أهلٌ ـ ولا وطنٌ ـ ولا نديمٌ ـ ولا سكنٌ] : تكرار النفي يؤكد قسوة الغربة وشدة الحسرة ، وتنكير هذه الأسماء للشمول . * [ربَّ فتًى] : رب للتكثير .
الأساليب :
البيت الأخير : إنشائي استفهام غرضه التعجب والنفي والتحسر.
بقية الأساليب خبرية لتقرير الحسرة والأسى
تكرار (لا) في البيت الأخير لتوكيد الوحدة .
(إن كانَ عادَكُمُ عيدٌ فَرُبَّ فتًى ) أسلوب شرط يبين المفارقة بين حظه وحظ من أحب ، كما يوحي بالحزن الشديد.

المحسنات البديعية :
الجناس الناقص (عاد – عيدٌ) الطباق (عِيد- حَزَنُ)
الخيال والتصوير :
(عادَكُمْ عيدٌ) استعارة مكنية صور العيد إنسان يأتي مرات عديدة (للتشخيص)
(أفَرَدتْهُ الليالي) استعارة مكنية صور الليالي بإنسان يبعده عن أحبته (للتشخيص)
(ينشدُها) استعارة مكنية صور الليالي أشخاصًا تسمع قصائده (للتشخيص) .
(جَنىَ الزمنُ) استعارة مكنية صور الزمن إنسانًا يجنى (للتشخيص ).
البيت الأخير مطلع قصيدة للمتنبي, فهل يعد الشاعر لص أدبي ؟
الشاعر أخذ البيت الأخير من قصيدة للمتنبي, ولا يعد الشاعر سارق أو لص أدبي لأنه أشار إلى البيت بقوسين يوحيان أن البيت ليس له وإنما ضمّنه من قصيدة أخرى
وهذا ما يسمى بـ التضمين والتمثيل. ولو لم يشر الشاعر للبيت بإي علامة تبين أنه أخذه من شاعر آخر لأصبح سارقا أدبيا .
التعليق
الغرض من النص : هو الحنين إلى الوطن والأحبة, وهو من الأغراض القديمة في القصيدة العربية و الجديد فيه : أنه أفرد القصيدة كلها لهذا الغرض .
تحدث عن عناصرِ الوحدةِ العضويةِ في هَذا النصِّ
للوحدة العضوية عنصران هما (وحدة الموضوع - ووحدة الجو النفسي) وقد تحققتْ في هذا النص ، إذ يدور كله حول موضوع واحد هو الحنين ، وألفاظه وصوره حزينة ملائمة للجو النفسي .
الخصائص الفنية لأسلوب ابن زيدون :
1 - انتقاء الألفاظ وتماسك العبارات
2- كثرة أساليب الاستفهام كثرة الجمل الاعتراضية. .
3- وضوح المعاني وروعة التصوير.
4- الوحدة العضوية بوحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي.
أثر البيئة في النص :
1 - الصراع في الأندلس وانتشاره بين ملوك الطوائف .
2 - شدة المنافسة بين الوزراء والشعراء واستجابة الملوك للوشايات .
3 - جمال طبيعة الأندلس و أثرها في الشعر.
4 - تأثر أدباء الأندلس بأدباء الشرق .
ملامح شخصية الشاعر :
محب لأهله ووطنه معتز بكرامته. - يتصف بالوفاء وحفظ العهود. - متأثر بما حوله من مظاهر الطبيعة. - واسع الثقافة وملم بأشعار غيره من الشعراء
......................................................................................

مع أطيب المنى

ليست هناك تعليقات: