الأحد، 7 مارس 2010

الكلام والصمت

الكلام والصمت

اذكر رواية "أبو حيان التوحيدي" في كتاب "المـقـابسات" عن أستاذه "الساجستاني".
لقد روى "أبو حيان التوحيدي" أن أستاذه قال"نزلت الحكمة على رءوس الروم وألسن العرب وقلوب الفرس وأيدي الصينيين,ومعنى ذلك أن...
الروم اشتهروا بالعلم والحكمة والعرب اشتهروا بالفصاحة والبيان
والفرس اشتهـروا بالفنون والصـينيون اشتهروا بالدقة والمهارة.
دور (فـضل) اللغة في الحـضارة.
للغة دور هام في الحضارة العربية,فإذا كانت الحضارة العربية تركت لنا كثيرا من العلم والفن والفكر,فلا نستطيع أن ننكر فضـل اللغة والبيان واللسان في الحفاظ على كل ما وصلت إليه الحضارة العربية من فنون وعلوم وأفكار.ولولا اللغة ما عرفـنا هذا التراث العظيم التي تركته لنا الحضارة العربية.
الكلام عند العرب كيف نظر العرب للكلام.
يرى العرب أن الكلام يمثل
1- سلوكا وترجـمانا (مترجم ومعبر) يعبر به الإنسان عن شخصيته وذاته العميقة.
2- يعبر الإنسان من خـلاله عن مكنونات ضميره.
3- لا يمكـن استرجـاع بوادره(الكلمة الطائشة) , أو رد شوارده (الكلمة المنفره)
دور الكـلمة في حـياة الإنسان. كيف قدس الإنسان العربي الكـلمة؟
لم تكن الحكمة العربية بغافلة عن دور الكلمة في حياة الإنسان,فهي- الحكمة العربية- كانت على وعي تام بهذا الدور ويتضح ذلك من خلال أن....
1- الكلمة تأخـذ قيمتها ومعناها من نفس قائلها وليس من معناها في نفسها.
2- الكلمة تحـكم على قائلها أكثر مما يحكم هو عليها.فإن تكلم بالكلمة يقصد بها الخير حكمت له بالفضل وحسن الخلق وعلى العكس إن قصد بها الشر والعيب
3- الكلمة حـينما تكون محـكومة معقولة فإنها تأتي لتوضح حق,أو تبطل باطل أو تنشر علما أو حكمة.
4- الكلمة عندما تكون هوجـاء طـائشـة فإنها تأتي لتكشف جهلا أو تسبب ضررا أو تذيع سرا أو تتلف نفسا.
دور اللسان في حياة الإنسان.
لقد قدس الإنسان العربي من دور اللسان في حياة الإنسان ويكشف عن ذلك كثيرا من الأقوال المأثورة التي منها..
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ[يا معاذ أنت سالم ما سكت فإن تكلمت فعليك أو لك ..]
ويتضح من ذلك الحديث خطورة اللسان فالكلمة تشهد لك فتنجو أو تشهد عليك فتهلك, فهي تأخـذ معناهـا وقيمتهـا(خير أو شر) من نفس قائلها وليس من معناها في نفسها.فهي تحكم على قائلها أكثر مما يحكم هو عليها.
2- قال الإمام علي كرم الله وجهه [تكلموا تعرفوا فإن المرء مخـبوء تـحـت لسانه]
وبنفس المعنى قال سقراط لأحد تلاميذه كان دائم السكوت( تكلم حـتى أراك) وذلك يعنى أن عقل الإنسان وأخلاقه مستورة تحت لسانه فلا يمكن أن يكشفها غير اللسان الذي يفضح مكنونات الإنسان ولذلك كـان من الأفضل والأولـى أن يحبس الإنسان لسانه ويقيده حتى لا يسبب له ضرر.
3- قال رسول الله (r)"رحـم الله رجل قال خيرا فغـنم أو سكـت فسلم" ومعنى ذلك
الإنسان العاقل هو الذي يتحكم في لسانه فلا يتكلم إلا لنشر علم و فضيلة أو لكسب مجد وشرف.
4- قال عمر بن عبد العزيز"من لم يعد كلامه من عمله كثرت خـطـاياه" وهو قول
بليغ يوضح قول الرسول (r) لمعاذ (أنت سالم ما سكت ......) فاللسان بكلامه إما سببا لسعادة الإنسان إذا كان مفيدا أو سببا لشقائه إذا كان ضار و غير مفيد.
مكـانة الأدبـاء والشعراء.
احتل الأدباء والشعراء مكانة كبرى في الحياة الاجتماعية والسياسية للأمة العربية وذلك لما يتمتعون به من مميزات ومواصفات خاصة وهي
1-بلاغة اللسان 2- وقوة البيان 3- وسحر الكلمة
وهي شروط أساسية يجب أن تتوافر في السياسي الناجح و الحاكم الفطن ورجل الدولة المرموق. بالإضافة إلى حسن المظهر والصدق الفعلي والقولي.
أهم السمات الرئيسية للسياسي الناجـح.
1- أن يملك لسانه فيأتي بالكـلام في موضعه,لأن تقديم ما يقتضي التأخير يُعَد عجلة(تسرع) وخرق(جهل وحمق) وأما تأخير ما يقتضي التقديم فهو عجز وتوان(ضعف).
2- كان السياسي العربي رجـلا حـكـيما فقد أدرك أن.
1- لكل مقام مقال
2- الكلام في غير حـينه وموضعه لا ينتفع به
3- أن ما لا ينفع من الكلام هذيان(لا معنى ولا قيمة له) وهذر(كثرة الخطأ)
شروط الكلام عند العرب.
لقد اهتم حكماء العرب بوضع شروطا للكلام المفيد النافع وشرحها,لتكن إماما ليس للسياسي الناجح فقط ولكن لكل من وضعه منصبه موضع المرشد والمعلم,
وهذه الشروط كـما حـددها الحـكماء هي..
الشرط الأول......أن يكون الكلام لداع(سبب) يدعو له,كاجتلاب نفع أو منع ضرر
الشرط الثاني.....أن يأتي الكلام في موضعه ويتوخى(يتخير وينتظر)إصابة فرصته
الشرط الثالث....أن يقتصر من الكلام على قدر الحاجة.
الشرط الرابع....أن يتخير اللفظ المناسب .
جـمال الرجل وفصاحة اللسان.
لقد فهم العرب قديما أن جمال الرجل لا يكون إلا في فصاحة لسانه وقوة بيانه,ويدل على ذلك قول الرسول(r)لعمه العباس(يعجبني جـمالك,قال وما جـمال الرجـل يا رسول الله,قال لسانه)
وهنا نجد أن الرسول (r) يربط بين جمال الرجل ورجاحة العقل وفصاحة اللسان.
وكذلك قول الشاعر:
كفى بالمرء عيبا أن تراه له وجـه وليس له لسان.
فاللسان الفصيح البليغ هو عنوان الرجل أمام الناس وبدونه يعد الإنسان ناقص ومعيب
علاقة اللغة بالفكر.
لم يغفل الصحابة رضوان الله عليهم عن العلاقة والصلة القوية بين اللغة وفكر الإنسان فكانوا يعتبرون أن كلام المرء برهان ودليل أصله وأخلاقه وترجمان(مترجم ومعبر) عن عقله وفكره وإلى ذلك ذهب الإمام علي كرم اله وجهه عندما قال
"لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه"
وقد علق الشريف الرضي على هذا القول فقال هو من المعاني الشريفة والعجيبة, ومعناه أن العاقل هو الذي يتحكم في لسانه فلا يطلقه بالكلام إلا بعد مشاورة وروية (تفكير وتمهل) أما الإنسان الأحمق فهو متسرع لا يتحكم في لسانه بل إن فلتات لسانه وسقطات كلامه دائما ما تسبق تفكيره مما يدفعه في النهاية إلى الندم على أقواله.




إن كان العرب قد أعجبوا بفصاحة اللسان فهل معنى ذلك أنهم رفعوا من قدر
كثير الكلام ؟
بالطبع لا,لأن العرب ضاقوا بالثرثار(كثير الكلام) وذموا الدعي المكثار,وذلك أنهم رأوا أن كثرة الكلام تؤدي إلى الزلل والعثار(الخطأ والسقط).
بل, إنهم رأوا أن من أعجب برأيه أصيب في عقله , ويدل على ذلك قول الجاحظ...
ما رأي الجاحظ في الهذر؟
علق الجاحظ على الهذر فقال إن للكلام غاية(هدف)ولنشاط السامعين نهاية (قدرة على الاحتمال) وما فضل(زاد عن الاحتمال) ودعا إلى الاستثقال (الملل) فذلك الفاضل (الزائد) هو الهذر من الكلام (الكلام بلا قيمة أو فائدة).
إن كان للكلام واللسان هذا الدور العظيم في حياتنا فهل للصمت دور فيها ؟
بالطبع للصمت دور عظيم في حياة الإنسان,فالعرب مدحوا الصمت وأهل الهيبة والوقار(بسبب الصمت) في كثير من الأقوال المأثورة,التي تبين أهمية الصمت ومنها
1- قول الإمام علي "بكثرة الصمت تكون الهيبة" فكثير الصمت لا يخطأ كثيرا وبالتالي يجد من الاحترام والتقدير من الناس.
2- قال جعفر بن يحيى "إذا كان الإيجاز كافيا فإن الإكثار عَيّا(عدم إبانة وفصاحة) وإن كان الإكثار واجبا كان التقصير عجزا". ومعنى ذلك أن الإنسان لابد أن يملك لسانه فيأتي بالكلام في موضعه.
3- روي عن أحد الحكماء أن رجلا سأله فقال متى أتكلم ؟ قال إذا اشتهيت الصمت, فقال ومتى أصمت ؟ قال إذا اشتهيت الكلام.
وذلك يعنى أن الإنسان إذا أراد أن يتكلم فإنه سيكثر من الكلام وبالتالي سيكثر من الخطأ لذلك وجب عليه السكوت,وفي حـالة رغبته في السكوت والصمت ثم اضطر للكلام فإن كلامه سيكون موجزا مفيدا,وبالتالي فلن يكثر من الخطأ.
4- بالغ بعضهم في مدح الصمت فقالوا"عِيُّ تسلم منه خـير من منطـق تندم عليه, فاقتصر من الكلام على ما يقم حجـتك وإياك وفضوله فإنه يُزِل القدم ويُورث الندم"
فقد وصل الأمر إلى جعل العي(عدم القدرة على التعبير والإبانة) أفضل من الكلام الذي يضع صاحبه موضع الندامة.




أنواع الصمت:
لقد اهتم العرب بتحديد وتحليل أنواع الصمت ومنها
- صـمت للهيبة - صـمت للـخـوف
- صـمـت للعجـز عن الكـلام - صـمـت عن الحـق
- صـمـت للتفكير
متى يندم الإنسان عن الصمت؟ ومتى يندم على الكلام؟
يندم الإنسان على الصـمت والسكوت إذا كان الموقف يحتاج إلى توضيح الحق, أو إبطال الباطل,أو نشر الحكمة والعلم أو كسب مجد ورفعة.
ويندم الإنسان على الكـلام إذا لم يكن في حينه أو موضعه, وإذا كان زائد عن الحاجة لا يفيد ولا ينفع, وإذا كان يسبب ضررا أو يذيع سرا أو يتلف نفسا.

.................................................................................


مع أطيب المنى

ليست هناك تعليقات: