الأحد، 28 مارس 2010

تربية الأبناء

تربية الأبناء لابن خلدون
التعريف بالكاتب :
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ولد (1332م – 732 هـ ) مؤرخ وفيلسوف اجتماعي أقامت أسرته في تونس، حيث ولد ونشأ وتعلم بها ثم تنقل في بلاد المغرب والأندلس ، ثم أقام بتلمسان (في الجزائر)، وشرع في تأليف تاريخه، وبعدها عاد إلى تونس، ومنها انتقل إلى مصر، واتصل بسلطانها برقوق (مؤسس حكم المماليك الشراكسة)، فولاه القضاء.
انقطع للتدريس والتأليف فأتم كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر) وهو كتاب له قيمة كبرى بين كتب التاريخ الإسلامي كما أن لمقدمته أهمية عظمى؛ لاشتمالها على أصول علم العمران، والنظريات الاجتماعية و السياسية، وتصنيف العلوم وغير ذلك مما جعل من ابن خلدون مؤسسا لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع الذي يقول عنه : "أنه فرع فلسفي جديد لم يخطر على قلب أرسطو" ، وتُوفي بالقاهرة سنة (1406 م- 808 هـ).
جو النص :
يعرض لنا الكاتب في هذا النص مخاطر وأضرار معاملة الأباء والمعلمين للأبناء والطلاب بالقسوة والضرب. مما يدفع هؤلاء للهروب من العقاب بالكذب والغش والأخلاق الذميمة.
القسوة في التربية و أثرها الضار
( مَنْ كاَنَ مَرْباهُ بالعَسْف والقَهْرِ من المتعلمِينَ، حَمَله علَى الكَذِبِ والخُبثِ، وهُو التظاهُرُ بغيرِ ما في ضميرِه، خوفًا مِنَ انبِساطِ الأيدي بالقَهرِ، وعلَّمَه المكْرَ والخديعةَ لِذلكَ، وصارتْ له هذِه عادةً وخُلقًا) .
اللغويات :
مَرْباه: منشؤه وتربيته- العسْف: العنف والظلم × اللين والعدل- القهْر: الغلَبَة والإجْبار، الإرْغَام، القَسْر- حملَه: دفعه × منعه- الخُبْث: الفساد × الصلاح- التظاهر بغير ما في ضميره : أي النفاق وهو إظهار الإنسان غير ما في نفسه × الصدق- انبساط: امتداد × انقباض- بالقهْر عليه: أي بالضرب الذي يقهره- المكْر والخديعة: أي النفاق وهو إظهار الإنسان غير ما في نفسه- الخديعة: المكيدة والحيلة ج الخدائع- لذلك: بسبب بذلك العنف والقهر- عادة : كل ما تعوده الإنسان وأصبح ملازماً لسلوكه ج عادات ، عاد .
الشـرح :
يثبت ابن خلدون حقيقة اجتماعية هامة وهي أن الإنسان الذي يتربى على القسوة العنف يدفع الفرار من العقاب إلى الكذب والخديعة والنفاق, خوفا من ضربه مما يعلمه من كثير من الأخلاق الذميمة مثل المكر والخداع حتى أصبحت هذه الأخلاق سلوك دائم له في كل حياته
الألفاظ :
المتعلمِينَ جمع للعموم و الشمول لكل متعلم في المنزل أو المدرسة أو المصنع .
العسف والقهر : عطف الثانية على الأولى لأنها نتيجة.
حمله: نتيجة لما قبلها وتوحي بأن هناك يد خفية تجبره على الكذب
خوفا: تعليل لما قبلها.
عادة وخلقا : العطف يدل على استمرار هذه الصفات وثباتها.

الأساليب :
(مَن كاَن مَرْباه بالعَسْفِ والقَهْرِ من المتعلمِينَ حَمَلَهُ علَى الكذبِ والخُبثِ) أسلوب خبري, غرضه : إظهار الأثر السيئ للقسوة في التربية .
(التظاهرُ - وضَمِيرِه) طباق يوضح المعنى بالتضاد .
عطف (الخديعةِ) على (المكْرِ (إطناب بالترادف للتوكيد.
الكذب والخبث : إطناب بعطف العام على الخاص للتوكيد.
(وهُو التظاهُرُ بغيرِ ما في ضميرِه) إطناب لتوضيح و تفسير الجملة التي قبله
الألوان والخيال :
(حَمَلَه عَلَى الكَذِب) استعارة مكنية للضرب و القسوة بإنسان يدفعه إلى ما يفعل .
(التظاهُرُ بغيرِ ما في ضميرِه) كناية عن النفاق .
)انبساطُ الأيدي بالقَهْر عَليْه( : كناية عن الضرب والقسوة.
)علَّمَه المكرَ والخدِيعة) استعارة مكنية صور الضرب معلما يعلم المكر والخديعة (للتشخيص)
أثر العنف في إفساد المجتمع
( وفَسدَتْ معاني الإنْسَانيةِ التي له ، من حيث الاجتماع و التمدن و هي الحَمِيَّةُ والمدافَعة عن نفِسه و منزله صار عِيالاً علَى غيرِه في ذلك بلْ وكَسِلتِ النفسُ عن الفضَائِل و الخُلُقِ الجَمِيلِ )
اللغويات :
فَسدَتْ: انحرفت × صَلُحت- الإنسانية: الصفات التي تُميِّز الإنسان × الحيوانية- الاجتماع: التجمُّع وتكوين المجتمع- التمدُّن: التحضُّر و الرقي× التخلف- الحميَّة: الأنَفَةُ والعزة × الذل- منْزله: بيته ووطنه- عيالاً: معتمدا على غيره × عصاميا- كسلتْ: تثاقلتْ، فترت × نشطت- الفضائِل: م فضيلة ، وهى الخُلق الحسن × الرذائل- العادة: كل ما يتعود عليه الإنسان .
الشـرح :
ثم يوضح الكاتب نتائج هذه التربية على سلوك الإنسان, والتي تبدأ بفساد الأخلاق والمبادئ التي يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات, وتضيع القيم التي تدفعه إلى التمسك بكرامته وعزة نفسه والدفاع عن أهله ونفسه, ويصبح الفرد معتمدا على غيره كسول في اكتساب الفضائل والأخلاق الحميدة .
الألفاظ :
الحمية والمدافعة : تعبير يدل على ان الإنسان اجتماعي بطبعه.
(صارَ عِيالاً علَى غيرِه في ذلك) نتيجة لفقده الحمية والمدافعة الاعتماد على الغير .
الفضائل : جمعا للكثرة.
الأساليب :
خبرية لتقرير الأثر السلبي على الإنسان الذي يشعر بالظلم والقهر والعنف.
أساليب التوكيد :
الخلق الجميل : وصف الخلق بالجميل قصر يفيد التخصيص
المحسنات البديعية :
)المدافَعَة عن نفِسه - وعِيالاً علَى غيرِه( مقابلة توضح المعنى و تبرزه بالتضاد .
(من حيث الاجتماع و التمدن) إطناب لتوضيح و تفسير الجملة التي قبله .
(الخُلُقِ الجَمِيلِ – الفضَائِل) إطناب للتوضيح .
صار عيالا على غيره بل وكسلت النفس عن الفضائل: أسلوب قصر باستخدام أداة العطف (بلْ) وتفيد الإضراب عن الحكم الأول و الانتقال لحكم أهم، وهو الكسل النفسي .
الخيال والتصوير :
)وفَسدَتْ معاني الإنْسَانيةِ(استعارة مكنية تصوِّر المعاني بطعام يفسد .
)هي الحَمِيَّةُ والمدافَعةُ( تشبيه للمعاني الإنسانية بالحمية والمدافعة، (للتوضيح)
(وكَسِلتِ النفسُ) استعارة مكنية حيث تصور النفس بإنسان يكسل (للتشخيص)
اكتساب الفضائل : استعارة مكنية فقد صور الفضائل بأنها أشياء مادية تكتسب (للتجسيم)
نقد : دخول (الواو) بعد )بَلْ) استعمال غير دقيق فالمفروض عدم دخول حرف عطف على حرف عطف آخر .
نصيحة خبير
(.. فينبَغِي للمعلِم في متعلِّمِه والوالِد في ولِده ألا يستبدا عليهما في التأديب ) .
اللغويات :
ينبغي : يجب ، والمراد : يحسُن ويُستحب - مُتعلِّمه : تلميذه - الولدُ : كل مولود ، وكلمة ولد تشمل الذكر والأنثى - يستبدَّا : أي يشتدا - التأديبُ : التهذيب والتربية
الشـرح :
وفي نهاية النص يقدم لنا الكاتب نصيحة غالية لكل من أراد أن يربى أولاده على الخلق الجميل
وهي أنه يجب على كل إنسان أن يعامل ولده أو طالبه باللين والرفق ولا يعامله بالقسوة
والشدة, لأن القسوة تؤدي إلى عكس المطلوب.
الألفاظ :
استخدام (ينبغي) بمعنى يحسن ويستحب بدلا من (يجب) يدل على ترفق الكاتب في النصيحة عملا بمبدأ المرونة ، وعدم العنف والقهر في التربية والتوجيه.
تعريف (المعلِّم) و (الوالِد) بأل للعموم و الشمول .
[مُتَعَلّمه - ولده] : إضافة (مُتَعَلّمه) و (ولده) إلى ضميرهما ، وهو (الهاء) يوحي بقوة العلاقة التي تربط بينهما .
التـذوق :
(فينبغي للمعلِم في متعلِّمِه) أسلوب خبري للنصح والإرشاد . وهي نتيجة لما قبلها .
(للمُعلِّمِ في مُتعّلمَه - والوالِد في ولِده) ازدواج يعطي جرساً موسيقيا ًجميلاً .
التعليق :
س1 : ما أشهر كتاب ألفه ابن خلدون؟ ولماذا يعد أول واضع لعلم الاجتماع ؟
أشهر كتاب ألفه ابن خلدون كتاب : [العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر] ، ويقع في سبعة أجزاء أولها المقدمة .
و يعد أول واضع لعلم الاجتماع ؛ لأنه وضع أساس علم الاجتماع بهذه المقدمة ، وبذلك سبق علماء أوروبا في علم الاجتماع ونظرياته .
سبق ابن خلدون علماء عصره وعلماء التربية المعاصرين وضح .
الفكرة التي يتحدث عنها ابن خلدون منذ أكثر من سبعمائة عام (القسوة في معاملة الصغار ونتائج ذلك) سبق بها جميع علماء عصره وعلماء الغرب والعالم المعاصرين, لأنه تحدث عنها أن يكتشف هؤلاء أضرار القسوة والعنف ونادى بها قبل أن ينادي بها علماء العصر الحديث
النص من فن المقال الاجتماعي ؛ لأنه يتناول قضية اجتماعية و هي قضية التربية .

ما نوع الأسلوب في هذا النص ؟ وما خصائصه الفنية؟
عرض ابن خلدون هذا النص بأسلوب علمي متأدب يجمع بين الدقة والسهولة والوضوح في ألفاظ سهلة وعبارات سلسة مع بعض الصور التوضيحية والمحسنات غير المتكلفة دون مبالغة أو إسراف .




سمات أسلوب ابن خلدون:
1 - عمق الأفكار. 2 - دقة التحليل. 3 - سهولة العبارة.
4 - استخدام الأدلة المقنعة . 5 - عدم الاعتماد على الخيال أو المحسنات.
6 - استخدام الأسلوب العلمي المتأدب.
استنتج بعض سمات شخصية ابن خلدون من خلال دراستك للنص.
ابن خلدون فيلسوف مفكر، دقيق الملاحظة واسع التجربة ، واسع الثقافة يجيد تحليل الظواهر الاجتماعية حريص على نهضة المجتمع، يدعو إلى الرفق والنصيحة مع الناشئين .
أثر البيئة في النص :
1 - اتجاه بعض المعلمين والآباء إلى القسوة في تربية الأولاد .
2 - ضعف شخصية الأفراد وفساد المجتمع نتيجة لهذه الطريقة .
3 - انتشار بعض الأخلاق الذميمة نتيجة للعنف .
4 - ظهور بعض المصلحين الذين يدعون إلى التربية السليمة.
ما العاطفة المسيطرة على الكاتب في هذا النص ؟
العاطفة المسيطرة على الكاتب في هذا النص عاطفة الإشفاق و النصح و الحب .
بمَ تتميز الأفكار في النص ؟
تتميز الأفكار في النص بالوضوح و التحليل و التفصيل و الابتكار و العمق .
علل : قلة الصور الخيالية في النص ؟
الصور قليلة ؛ لأن الكاتب يعتمد على الإقناع العقلي لا العاطفي ، فلا مجال هنا للإكثار من الصور الخيالية أو الاعتماد عليها .

الإنسان اجتماعي ومدني فمتى يخالف هذه الطبيعة ؟
بالفعل الإنسان اجتماعي ومدني ولا يخالف هذه الطبيعة إلا إذا كان منحرفا غير سوي ، يميل إلى العزلة والهدم والتخريب .
النص يثبت تفوق العرب الحضاري. برهن على ذلك .
بالفعل النص يثبت ذلك ؛ لأنه يدعو إلى إلغاء العقاب البدني و هذه هي طريقة التربية الحديثة التي تدّعي أوروبا أنها صاحبة السبق فيها .
يثبت هذا النص أن اللغة العربية لغة علم و لغة أدب . اشرح ذلك .
يثبت هذا النص أن اللغة العربية لغة علم و لغة أدب ، و ذلك لأن الكاتب عبر عن أفكاره بالأسلوب " العلمي المتأدب " الذي يجمع بين خصائص الأسلوب العلمي و الأسلوب الأدبي ، ففيه حقائق علمية ثابتة جاءت في صياغة أدبية جميلة ، و بذلك بين ابن خلدون أن اللغة العربية لغة أدب كما أنها لغة علم حيث تناولت القوانين العلمية و النظريات التربوية و الفلسفية و النفسية
.....................................................................................

مع أطيب المنى




ليست هناك تعليقات: